Servicios
Descargas
Buscar
Idiomas
P. Completa
تجليات الجليل في معلّقة طرفة
أحمد طعمة حلبي
أحمد طعمة حلبي
تجليات الجليل في معلّقة طرفة
MANIFESTACIONES DE LO SUBLIME EN LA MU`ALLAQA DE TARAFA
MANIFESTATIONS OF THE SUBLIME IN THE MU`ALLAQA OF TARAFA
Al-Andalus Magreb, núm. 29, 107, 2022
Universidad de Cádiz
resúmenes
secciones
referencias
imágenes

Resumen: La sublimidad se manifiesta en la muˁallaqa de Ṭarafa en dos vertientes: la sensorial y la nocional. Lo más destacado de la manifestación sensorial es la descripción de la camella y la expresión, a través de ella, de diversos asuntos y perspectivas. La manifestación de carácter nocional se trasluce en las posturas de Ṭarafa ante la vida y la sociedad. Ṭarafa y su camella son algo así como dos almas gemelas, que otorgan a la muˁallaqa unidad y cohesión. Lo sublime es esa singularidad que distingue a la muˁallaqa, el eje del presente estudio.

La mayor parte de los poetas de la era preislámica nos han dejado descripciones de la camella, que ha ocupado un lugar destacado en muchas de sus casidas. Pero en la muˁallaqa de Ṭarafa la camella aparece de una forma especial y singular, puesto que está presente en el preludio, en tanto que palanquín de la Mālikī errante. Además, se dedican treinta versos a la descripción de la camella, aparece también en cuatro versos del interior del poema, y en dos versos de carácter sapiencial. Se trata, pues, de un hilo conductor que va tejiendo la casida y le otorga unidad y especificidad. Esta unidad se ve también reforzada por la postura valiente de Ṭarafa ante dos problemas que padecía la sociedad preislámica: la muerte y el control de la sociedad sobre el individuo. Ṭarafa era alguien muy particular en su forma de entender la vida, diferente a sus congéneres, algo que también hace ganar unidad y especificidad a la muˁallaqa.

Palabras clave: Ṭarafa ibn al-ˁAbd ,muˁallaqa,lo sublime ,la camella ,Kant,Santayana.

Abstract: The sublime is manifested in Ṭarafa’s The Muˁallaqa with its sensual and moral types. The most prominent of its sensual manifestation is in the depiction of the camel. Its moral manifestation is obvious in Ṭarafa’s situations of life and society as if Ṭarafa and his camel are twins. Together they give The Muˁallaqa its unity and cohesion. The sublime is the characteristic that distinguishes The Muˁallaqa, and it is the focus of this research. Most of the poets of the pre-Islamic era described the camel, but it appeared in Ṭarafa Muˁallaqa in a special and distinct way. The camel appeared at its beginning in thirty verses of its own. It also appeared in the scene of its barrenness in four verses, and it appeared in two verses of wisdom. These threads extending into the fabric of the poem are what gave it its unity and earned it its privacy. This unity is also supported by the manifestation of the sublime in Ṭarafa’s heroic attitudes towards two problems that the pre-Islamic society was suffering from, namely the problem of death, and the control of society itself over the individual. The research is divided into two parts: the first part deals with the sensual sublime, depicted in the camel, and the second part deals with the moral sublime, expressed in Tarafa’s attitudes towards society and life. The research is based on the concept of the sublime in Kant, Santayana, and Edmund Burke, and clarifies it through the Muˁallaqa from within. It draws on other aspects of different research methods. The research does not neglect the linking of the concept of sublime to its time and environment.

Keywords: Ṭarafa- al-Muˁallaqa, the sublime, Camel, Kant and Santayana.

ملخص: يتجلّى الجليل في معلقة طرفة بنوعيه الحسي والمعنوي، وأبرز ما يكون تجلّيه حسيًّا في تصوير الناقة، والتعبير من خلالها عن مواقف وموضوعات، وأوضح ما يكون تجليه معنويًّا في مواقف طرفة من الحياة والمجتمع، وإذا بطرفة وناقته توأمان، وهما معًا يمنحان المعلقة وحدتها وتماسكها. والجليل هو السمة التي تميز المعلقة، وهي محور هذا البحث.

لقد وصف معظم الشعراء في العصر الجاهلي الناقة، ولكنها ظهرت في معلقة طرفة بصورة خاصة متميزة؛ فقد ظهرت الناقة في مطلعها، بوصفها حدوج المالكية المرتحلة، وظهرت في تصوير الناقة منفردة في ثلاثين بيتًا خاصًّا بها، وظهرت في مشهد عقرِها في أربعة أبيات، وظهرت في بيتين من الحكمة. وهذه الخيوط الممتدة في نسيج القصيدة هي التي منحتها وحدتها وأكسبتها خصوصيتها.

وينقسم البحث إلى قسمين اثنين: يتناول القسم الأول الجليل الحسيّ، مُصَوَّرًا في الناقة، ويتناول القسم الثاني الجليل المعنوي، مُعَبَّرًا عنه في مواقف طرفة من المجتمع والحياة.

ويقوم البحث على مفهوم الجليل عند كانط وسانتيانا وإدموند بيرك، ويوضّحه من خلال المعلقة من داخلها. ويستعين بجوانب أخرى من مناهج بحثية مختلفة. ولا يغفل البحث عن ربط مفهوم الجليل بعصره وبيئته.

الكلمات المفتاحية: طرفة, المعلقة, الجليل, الناقة, كانط وسانتيانا.

Carátula del artículo

Artículos

تجليات الجليل في معلّقة طرفة

MANIFESTACIONES DE LO SUBLIME EN LA MU`ALLAQA DE TARAFA

MANIFESTATIONS OF THE SUBLIME IN THE MU`ALLAQA OF TARAFA

أحمد طعمة حلبي
جامعة قطر , Catar
Al-Andalus Magreb
Universidad de Cádiz, España
ISSN-e: 2660-7697
Periodicidad: Anual
núm. 29, 107, 2022

Recepción: 28 Febrero 2022

Aprobación: 26 Julio 2022


تجليات الجليل في معلّقة طرفة
مقدمة:

قّدم طرفة بن العبد في معلقته صورة للناقة، يستطيع الباحث في علم الجمال أن يصفها بكمال الجمال، إلى حدٍّ يحقّق فيها قيمة الجلال. يقول سانتيانا([1]): «إن الجلال هو أقصى درجات الجمال التي يُوجِدُ فيها الجمالُ نشوةً في النفس، إنه لذة التأمل حينما تصل إلى درجة من الحدة، تبدأ عندها في فقدان موضوعيتها؛ بحيث يتضح أنها، كما هي في جوهرها دائمًا، عاطفة باطنة في الروح». ولصورة الناقة عند طرفة أسبابها النفسية والاجتماعية، ولها جذورها الثقافية والتاريخية.

ويقدم طرفة أيضًا في معلقته مواقف من المجتمع والحياة، فيها قدر كبير من النبل والتفرد والتمرد. وهو ما يجعلها تتسم بشيء من الجلال، وفق مفاهيم عصرها، وإن كنا لا نتفق مع أكثرها، ولذلك من الممكن مقاربة المعلقة نقديًّا من مفهوم الجليل.

ودرس الناقة انطلاقًا من مفهوم الجليل ليس مفروضًا عليها من الخارج، فهو، أي مفهوم الجليل، متحقّق فيها. وهو مفهوم إنساني متحقّق في معظم آداب العالم، وهو مفهوم إنساني عام. وما يسعى البحث إليه هو الكشف عن تجليات الجليل في المعلقة، من داخلها. وسيتضح أن هذا المنهج في درس المعلقة يعيد إليها وحدتها، ويحقق تماسكها، على مستوى البنية الداخلية للنص، وعلى مستوى علاقتها بالشاعر والعصر والبيئة. وهو ما لم تحظ به المعلقة من قبل من دراسة؛ فقد اتجهت معظم الدراسات إلى تقطيع أوصالها، وتقسيمها إلى أغراض وموضوعات، بل ذهبت بعض الدراسات إلى التشكيك في أجمل مقاطعها، وهو المركز فيها والقلب منها، ويتمثّل في وصف الناقة، وهذا ما سوف ينفيه البحث، بالكشف عن تجليات الجليل فيها، مما يؤكد أهمية هذا المنهج في درسها.

ولم نخصّ الجليل بتعريف في هذه المقدمة، بل عمدنا إلى تقديمه في تضاعيف البحث، بمختلف أشكال فهمه عند علماء الجمال والباحثين، من خلال مقبوسات تمهد لتجليات الجليل في المعلقة، أو تقديم مقبوسات داعمة وشارحة.

القسم الأول الجليل وتجلياته في تصوير الناقة
1- الإبل المرتحلة كالسفن:

منذ البدء تتجلى عظمة الناقة، فالشاعر يستهل المعلقة بذكر الأطلال، ويشبّهها بالنقش في ظاهر اليد، ثم يذكر إبل المالكية، ويشبهها، في كثرتها وفي ضخامتها وهي مرتحلة في الوادي، بمجموعة من سفن عدولية جبارة، مصنوعة في جزيرة مجهولة، صنعها قوم غرباء، أو هي من سفن ابن يامن، وهو ملّاح شهير، وهذه السفن تشق بصدرها عباب البحر. ويشبهها، وهي تشق عباب البحر، بحركة ولد يلعب بكومة التراب، وقد وضع في جانب منها قطعة حجر، ثم قسم الكومة بيده إلى نصفين، فيقول([2]):




والشاعر يضعنا في ثلاثة أبيات أمام إبل كثيرة عظيمة تقطع الوديان، شبيهة بمجموعة من السفن الغريبة، صنعها أقوام، أو يقودها ملّاح شهير. تمخر البحار، ويميل بها ملّاحها في البحر فيتوه تارة ويهتدي تارة أخرى في حركة صاخبة. فنحن أمام مساحات واسعة وحجوم ضخمة، وهو شكل من أشكال الإحساس بالجلال، أمام هذه القوافل من الإبل والأساطيل من السفن. وفي تلك السفن سرّ غامض، فهي مصنوعة في عدول وهي جزيرة، أو من صنع قوم غرباء، وفي هذا ما يزيد من الإحساس بجلالها.

وقد تكون الناقة بالنسبة إلينا عاديّة في حجمها، فنحن نسكن في أبنية من عشرة طوابق، كما نرى ناطحات السحاب، فنظن الناقة صغيرة، ولكن لا بد من النظر إلى الإبل بعيني الإنسان في العصر الجاهلي؛ فالناقة عظيمة الجِرْم، فهي أعلى من الرجل، وأطول من الخيمة، وأكبر من البيت الطيني، وتلك السفن بالنسبة إلى عصرها كبيرة. ولا بد من النظر إلى الناقة في رحاب صحراء واسعة ممتدة، ولا بد من النظر إلى مجموعة من الإبل وهي تشكل قافلة، مثلها مثل مجموعة من السفن. هي خلايا، أي أساطيل، ومن قبل سمى العرب الجمل »سفينة الصحراء « .

وقد يبدو للقارئ العجلان تشبيه السفن، وهي تشق عباب البحر، بطفل يقسم التراب بيده تشبيهًا غير مناسب، فشتان ما بين حجم المشبّه والمشبّه به، وقد يحسب الصورة متنافرة، ولكنّ الحال ليس كذلك؛ فالشاعر حين يشبه حركة السفن الضخمة، وهي تشق عباب البحر، بطفل يقسم بيده كومة رمل بسهولة، لكي يعرف في أي الشقين وضع الحجر، إنما يقوم بتحويل الحركة الضخمة القوية إلى حركة سهلة بسيطة، وهذا دليل انتقال الشاعر من البحر إلى البر، للقيام برحلة جديدة في عالم الصحراء الواسع، لتأكيد حريته. وإذا كان الملّاح بطل السفن والبحار، فإن الشاعر بطل الناقة والصحراء، ولذلك يبدو الإبحار بالسفن بالنسبة إليه مثل الدخول بالناقة في الصحراء. وهو بالنسبة إليه أمر سهل، ولذلك بدا شقُّ السفن البحر بصدرها، مثل شقّ الولد كومة الرمل بيده، وهذا التلاعب، فنيًّا، بالحجوم، وتحويل الكبير إلى صغير، هو تعبير لا شعوري عن رغبته في القيام بمغامرة، هي بالنسبة إليه لعب أطفال، وتأكيد لانتصاره، باللعب، أو بالشعر، على عالم البر والبحر، وهو دليل بحثه أيضًا عن حظّه، ففي أيّ الشّقين من التراب يكمن الحجر المخبوء؟

وهكذا، يبدو لعب الطفل بكومة التراب دالًّا على نفسية طرفة، ورغبته في تحقيق أمنيته بشقّ قلب الصحراء، والانتصار عليها. وما لعب الأطفال في الحقيقة إلا انتصار على الواقع، وهو بالنسبة إليهم ممارسة جدية، وليس لعبًا. هو كلعب فريق كرة القدم، هو بالنسبة إلى الفريقين ممارسة جادة، وفعالة، وقوية، ونحن نراه لعبًا، ونتسلى به. يقول الشاعر هولدرلن في رسالة إلى صديقه([3]): »والشعر يتبدّى للناس لعبًا، ولكنه ليس كذلك، إن اللعب يقرّب ما بين الناس، ولكن على نحو يجعل كلَّ واحد ينسى نفسه فيه. أما في الشعر، فالإنسان يركز ذاته على وجوده الإنساني، ويصل هنالك إلى الطمأنينة، لا إلى تلك الطمأنينة الوهمية المتولّدة من البطالة، وفراغ الفكر، بل إلى تلك الطمأنينة الضافية، التي يصحبها نشاط في جميع القوى والعلاقات « .

وتظل الصورة معبرة عن قيمة الجليل، بما في السفن والإبل معًا من كثرة وضخامة، وثقل وقوة حركة وصخب، وبما في السفن الضخمة وصناعتها من سر وغموض، وبما في الصحراء من سر وغموض، بل بما في كومة الرمل نفسها أيضًا من سر وغموض. ويؤكد ذلك إدموند بيرك، حيث يقول([4]): »الموضوعات الجليلة هي ذات أبعاد كبرى، بينما الموضوعات الجميلة هي صغيرة نسبيًّا. الجمال يجب أن يكون ناعمًا مشعًّا، بينما العظيم ضخم مشدود. الجمال يتمسك بالخطوط المستقيمة وإن شذّ قليلًا فبخجل يكاد لا يُرَى، وربما رغب العظيم في الخطوط المستقيمة، ولكنه إن انحرف أو شذّ عنها، فانحرافه شديد وبيّن. الجمال يجب ألا يكون غامضًا بينما العظيم ملزم أن يكون داكنًا معتمًا. الجمال يجب أن يكون خفيفاً ولذيذًا، أما العظيم فصلب بل ثقيل « . ويقول سانتيانا في الفكرة نفسها([5]): » فالشيء ذو الحجم الهائل لا يقل جلالًا عن الشيء المرعب.... وعلى هذا النحو يصبح كل استعراض لمساحة واسعة جليلًا « .

2- التصوير الشامل للناقة

ثم يتحدث الشاعر عن غزال يرعي الشجر، ويختبئ بين أوراقه، وهو يَكنِي به عن حبيبته، وسرعان ما يذكر وجهها المتألق، ثم ينعطف بعد خمسة أبيات فقط، ليذكر ارتحاله على ظهر ناقته، ليسلي نفسه وينسى همومه، ويمضي فيصف الناقة، إلى أن يصل بالناقة إلى صديق له، فيطمئن قلبه من مشقات الطريق. ويبدأ وصف الناقة من البيت 11 في المعلقة، ويستمر إلى البيت 41، أي أنه يستغرق ثلاثين بيتًا، وفيها يقول:




وتتضمن الأبيات المعاني التالية:

11/1 فالشاعر يمضي على ظهر ناقته عندما يحضره الهم؛ ليسلي نفسه، وهي ناقة سريعة، تتمايل لفرط سرعتها، وهي مطواع تروح وتجيء.

12/2 وهي ناقة مأمونة، وظهرها متين كنوع متين من خشب التابوت، يحمل عليه الكرام. وهي تشبه الجمل في قوتها. وخدودها ممتلئة، دليلًا على صحتها وسلامتها.

13/3 تجري سريعة كأنها نعامة، وهي تتبارى مع إبل كريمة، والرِّجْل منها تلحق أخرى في تتابع، فوق طريق سهلة، وطَأتها الأقدام من قبل.

14/4 رعت في الربيع مع نوق أخريات، وفي هذا ما يدعوها إلى الرعي ويحفزها عليه. وكان مرعاها في أرض طيبة، سقيت من مطرة ثانية، فنبت فيها العشب الطري.

15/5 ذكية، ترجع إلى راعيها، ولا تمكّن الفحل منها، إذ تجعل ذيلها بينها وبين جمل أسود هائج، وإذا كانت لم تلقح ففي هذا دلالة على قوتها وقدرتها على السير والجري.

16/6 ذيلها أبيض سريع الحركة، كأن جناحي نسر قد ثُبِّتا فيه، وهو ما يساعدها على دفع الفحل عنها، كي لا تحمل.

17/7 تضرب بهذا الذيل تارة مؤخرتها، وتارة تضرب به ضرعها الجاف، لأنها لم تحمل، ولم تُرضع، فهي محافظة على قوتها ونشاطها.

18/8 فخذاها قويتان، اكتمل اللحم فيهما، وكأنهما مصراعا باب قصر.

19/9 فقرات ظهرها مطوية متراصة، والأضلاع الداخلة في جسمها كأنها قسي، وباطن عنقها ضُمَّ إلى خرز العنق، وقد رُكِّب بعضه فوق بعض.

20/10 كأن إبطيها الواسعتين بيتان من بيوت الوحش في أصل شجرة. واتساع الإبطين يقيانها من العثار، ويدلان على قوتها وعلوها. وأضلاعها كأنها قِسِيٌّ تحت صلب قوي.

21/11 لها مرفقان متباعدان كأنهما دَلْوَا سقَّاء حمل بكل يد دلوًا، فأصبحت يداه مباعدتين.

22/12 عالية قوية، كأنها قنطرة بُنِيَت أقوى ما يكون البناء.

23/13 لها شعر تحت ذقنها أحمر اللون، وهو العثنون. وظهرها قوي، وترمي برجليها إلى مسافة بعيدة، وهي تروح وتجيء بنشاط وحركة.

24/14 يداها قويتان، وفوقهما صدر أسند عليهما، كأنه سقيف من حجر.

25/15 في أثناء سيرها السريع تجنح، أي تميل لفرط سرعتها، وكتفاها عاليتان.

26/16 أثر الحزام الذي يشد به الرحل على ظهرها واضح في جسمها، كأنه نُقَرُ ماء في صخرة ملساء، وهو دليل قوة جسمها.

27/17 وتتلاقى آثار السير الجلدي في جسمها عند أسفل بطنها، حيث تشد الأحزمة، وتتباعد هذه الآثار في الأعلى، وهذه الآثار في جسمها بيضاء، دليل نظافة جسمها، وكأنها قطع من قماش في قميص.

28/18 لها عنق طويل، إذا سارت رفعته إلى أعلى، كأنها سُكَّانُ سفينة في دجلة.

29/ 19 ولها جمجمة مثل السندان، وكأن رأسها قطعة واحدة ركبت على عنقها.

30/20 لها خد أبيض كصفحة القرطاس لم يكتب فيه شيء. وشفتها كأنها نعل طري، ليس فيها ميل ولا ارتخاء، فهي شابة، لأن الارتخاء يكون في النوق المسنة.

31/21 عيناها صافيتان كأنهما مرآتان، وقد استقرَّتا في محجرين، كأنهما كهفان نُقِرا في جبل، لا يَرِدُهما غير المطر، ولا يمر بهما البشر، دليل صفائهما ونقائهما.

32/22 عيناها صافيتان مكحولتان، ليس فيهما قذى، ونظرتها حادة مثل نظرة من عين بقرة لها ولد، فهي حذرة دائمًا ويقظة.

33/23 ولها أذنان قويتا السمع في حال سير الليل، ولا تخطئان في التقاط أي صوت خافت.

34/24 أذناها دقيقتان حادتان كالرمح، مرهفتان مثل أُذُنَيْ ثور وحشي يعيش وحده، فهو يقظ دائمًا متنبِّه حذِرٌ يرهف السمع.

35/25 لها قلب خافق سريع الحركة والخفقان، وهو قوي كأنه الحجر الصلب الذي يكسر حجارة أخرى.

26/26 شفتها العليا مشقوقة، وفي أنفها ثقب. وإذا مالت برأسها نحو الأرض زادت سرعتها.

37/27 هي طوع راكبها، إن شاء أسرعت، وإن شاء أبطأت، تستجيب له خوفًا من سوط مَلْوِيٍّ.

38/28 إذا شاء راكبها رفعت رأسها بموازاة الرحل، وأسرعت في عدوها بشدِّه الزمام، وتسرع كأنها ذكر النعام.

39/29 على مثلها يمضي الشاعر إلى حيث يدعوه صاحبه.

40/ 30 وقد أشفق عليه صاحبه من مشقات الطريق، مع أن الطريق آمن، وليس فيه قطاع طريق.

وفي هذا التصوير لون وحركة وتدقيق في الجزئيات مع تماسك. وفيه تصوير لذكاء الناقة وحسن استجابتها لأمر صاحبها، فهي مطواع، ومأمونة، وما هو بالوصف التشريحي الجاف، وإنما هو مقرون بالحركة والتصوير، ومدعم بالتشبيهات والاستعارات. وهو موظف لتأكيد جمال الناقة وسرعتها وأمانها. ولتأكيد خصوصيتها، وسرعان ما يتحول هذا الجمال إلى جلال، ويمكن تقسيم الصفات إلى خمسة أنواع:

الجسد: قوية، كأنها قنطرة شيدت بمتانة، وفخذاها كأنهما مصراعا باب في قصر، والفسحة تحت إبطيها واسعة، كأنها مسكن وحش في أصل شجرة. وبعض الصفات الجسدية ذات وظيفة وهي تأكيد قوتها وسرعتها وأمانها.

الجمال الحسي: العثنون الأحمر، وهو شعرات تحت الذقن، والرأس المركب على العنق قطعة واحدة كأنه السندان، وآثار موضع الحزام في جسمها، وهي آثار بيضاء، تجتمع وتتباعد.

الحركة: وهي سريعة، تلقي بقدميها الأماميتين إلى أبعد مسافة، وحركات رجليها متساوقة ومنسجمة، وتميل برأسها إلى أمام فتزداد سرعتها، وكأنها في سرعتها ذكر النعام.

الذكاء: لها أذنان مرهفتا السمع، وعينان صافيتان، نظرتها ثاقبة كأنها على حذر دائم، وقلبها سريع النبض، قوي كأنه حجر صلب. وهي تذب عنها الفحل من الإبل، وتجعل ذيلها بينها وبينه لتحتمي منه.

المرونة والاستجابة: هي طوع راكبها، تسرع إذا شاء، وهي أمينة لا تتعثر، وهو يأنس بها وعليها يمضي إلى صاحبه.

والتصوير قائم على رصد الحركة والنظرة الكلية الشاملة والنظرات التفصيلية التجزيئية. ومن الطبيعي أن يعنى بالتفاصيل، ولكنها كلها موظفة لتأكيد الجلال والمرونة والسرعة والأمان، وهي عناصر متكاملة، تدل على الجلال في تلازم وتكامل، ويؤكد هذا الجلال الضخامة والقوة والمتانة والذكاء.

إن هذا الاستغراق في وصف الناقة هو دليل الإحساس بجلال هذا الكائن الجليل، والاستمتاع بجلاله، إلى حد الإحساس بجلال الكون كله؛ لأن هذا الكائن الموصوف هو جزء من الكائنات الأخرى الجليلة في الكون، والاستغراق في وصفه دليل إحساس بجلال الكون كله. وفي هذا السياق تقول الدكتورة أميرة حلمي مطر([6]): »إن الاستجابة الجمالية للفن ليست غاية في حد ذاتها، بل تستمد قيمتها من كونها دالة على الحقيقة العقلية الروحانية، شأنها شأن الاستجابة لجمال الكون والطبيعة باعتبارهما من آثار المبدأ الإلهي المقدس، والعلة الأولى التي تلهم نفوس الصوفية بالشوق الدائم والتطلع إلى معاينة هذا المبدأ والاقتراب منه « . وتستند الدكتورة مطر في فكرتها إلى أفلوطين، الذي يرى أن الموجودات كلها إنما توجد بفضل مشاركتها في الحقيقة العقلية، التي يتحد فيها الوجود بالخير والجمال، ثم تستشهد بقوله([7]): »إن كل شيء جميل بقدر ما فيه من وجود « .

لقد استطاع طرفة بالكلمة أن يرسم لوحة عظيمة للناقة، وإذا كان الفنان التشكيلي يرسم بالألوان، وقد يلجأ أحيانًا إلى الكلمة فيضيفها إلى اللوحة في داخلها، أو يضعها تحتها مُسَمِّيًا بها اللوحة، أو جاعلًا منها عنوانًا لها، فإن الشاعر يرسم اللوحات بالكلمة. وقد أشار أرسطو (384-322 ق.م) إلى وحدة الفنون، سواء في ذلك الرقص والموسيقا والغناء والشعر والنحت والتصوير والعمارة، فقد رآها واحدة، لا يختلف بعضها عن بعضها الآخر في شيء، غير وسيلة التعبير. فمادتها واحدة، وغايتها واحدة، هي الإنسان، وعن ذلك يقول([8]): »وكما أن بعضها يحاكي بالألوان والرسوم كثيرًا من الأشياء التي تصورها، وبعضها الآخر يحاكي بالصوت، كذلك الحال في الفنون السالفة الذكر (يقصد فنون الشعر)، كلها تحقق المحاكاة بواسطة الإيقاع واللغة والانسجام « . وفي موضع آخر من كتابه فن الشعر يقول([9]): »لما كان الشاعر محاكيًا، شأنه شأن الرسام، وكل فنان يصنع الصور، فينبغي عليه بالضرورة أن يتخذ دائمًا إحدى طرق المحاكاة الثلاث، فهو يصور الأشياء إما كما كانت، أو كما هي في الواقع، أو كما يصفها الناس وتبدو عليه، أو كما يجب أن تكون « . ولا شك في أن طرفة قد صوّر الناقة كما يجب أن تكون عليه من الخَلق والخُلق، فهو يصف أنموذجًا؛ ولذلك بدا الجلال واضحًا في وصفه وتصويره.

ويستهل هوراس (65-8 ق.م) كلامه على الشعر بالحديث عن وحدة اللوحة وتكاملها وانسجامها، ثم يساوي بين الرسامين والشعراء، فيقول([10]): »لقد كان للشعراء والرسامين دومًا حقٌّ متساوٍ في حرية الابتكار « . ثم يقول في موضع آخر: » شأن القصيدة كشأن الصورة، واحدة تعجبك لو وقفت بالقرب منها، وأخرى تأخذك لو وقفت بعيدًا عنها « .

وينسب بلوتارك (40-120م) إلى سيمونيدس (556-468 ق.م) قوله([11]): »الشعر صورة ناطقة أو رسم ناطق، والرسم أو التصوير شعر صامت « . وقد وضّح هذا القول بتعبير دقيق ليوناردو دا فنشي، حيث قال([12]): »التصوير شعر يُرَى ولا يُسْمَع، والشعر تصوير يُسْمَع ولا يُرى. ويُمكنك أن تقول: إنهما نوعان من التصوير، اقتسما الحواس التي ينفَذَان من خلالها إلى العقل الواعي، وإذا افترضنا كونهما من نفس الجنس، أي إذا كانا تصويرًا مرسومًا، كان لزامًا عليهما إذن أن يمرَّا عبر الحاسة الأرقى، ألا وهي العين، وإذا كانا شعرًا كلاهما فيستوجب عليهما في هذا الحالة المرور عن طريق الحاسة الأدنى منزلة، وهي حاسة السمع « . وعند العرب قال الجاحظ قديمًا([13]): »فإِنما الشِّعرُ صناعةٌ، وضَرْبٌ مِنَ النَّسجِ، وجِنْسٌ مِنَ التَّصويرِ « . وقد حقق طرفة في وصفه الناقة وتصويرها تلك المقولات الفنية ببراعة عفوية، فكان عمله جليلًا.

وفي الحقيقة، مارس طرفة حريته، وهو يصوّر تلك الناقة، لأنه أطلق لمخيلته العنان في تصويرها، فحقق ذاته فنيًّا من خلال تصويرها. يقول الدكتور رمضان بسطويسي([14]): »المتخيلة هي أداة الإنسان ضد القمع الذي يسيطر على الإنسان، من خلال الواقع الذي يشتد حضوره في البناء المنطقي العقلي، ولذلك فإن العلاقات التي تقيمها المتخيلة مختلفة عن تلك التي يقيمها النشاط المنطقي، التي يهمه المطابقة بينها وبين الواقع، بينما تسعى المتخيلة للتحرر من أسر العقل المنطقي الذي يخضع لعلاقات الواقع « .

وكل ما أتى به طرفة من تشبيهات أو استعارات لتوضيح صورة الناقة يدلُّ على فخامة وعظمة وجلال؛ ففخذاها مصراعا باب في قصر، وهي كالقنطرة، وذيلها يتحرك كأنه جناحا نسر، وهي تعدو سريعة كأنها الظليم وهو ذكر النعام، وقلبها كالحجر الصلب يفلق الصخر، والفراغ تحت إبطيها كأنه مسكن وحش في أصل شجرة، وعيناها استقرتا في محجرين كأنهما كهفان نُقِرَا في جبل، وأذناها مثل رمحين أو مثل أُذُنَي ثور وحشي يسكن في الجبل، ورأسها كالسندان. إن كل الصور الداعمة والشارحة والمعبرة عن الناقة صور ضخمة كبيرة واسعة توحي بالجلال والعظمة، وتؤكد ما تحمل الناقة من قيم الجلال. هي صور تستثير الإحساس بالقوة والفخامة.

وكل الصفات التي أضفاها الشاعر على الناقة هي صفات قوة وذكورة، حتى إنه يشبهها صراحة بالجمل، وبِذَكَرِ النعام، وبالثور الوحشي، وينفي عنها الحَمْل، ولا يذكر أي خصيصة أنثوية، وهو ما أضفى عليها مزيدًا من مظاهر القوة والجلال، وفي هذا دلالة بعيدة على مجتمع يمجّد القوة في الرجل.

لقد استطاع طرفة أن يقدم صورة حسية للناقة، لكنها تنطق عن مضمون داخلي، وهو تعلّقه بالناقة، وبذلك يكون طرفة قد تمثَّل موضوعه، وعبَّر عنه في هذه اللوحة. يقول هيغل([15]): »التمثُّل الشعري تمثُّل تصويري، لأنه يضع تحت أبصارنا لا الماهية المجردة، بل الواقع العيني، لا احتمالات وأعراضًا طارئة، بل تظاهرات تتيح لنا من خلال الخارجية بالذات وفرديتها([16])، وبالاتصال الوثيق مع هذه الأخيرة، أن نستشف الجوهري، وبالتالي مفهوم الشيء وكينونته، في الـ "هنا"، باعتبارهما كلية واحدة متماثلة في داخل التمثل « . ويقول أيضًا ([17]): »إن التمثُّـل وحده يمكن أن يمثل التعبير الشعري ما يمثله الشكل المنظور والحسي المنحوت من الحجر أو المرسوم بالألوان للفنون التشكيلية، وما يمثله التساوق واللحن الحيان للموسيقى، أي تظهيرًا فنيًّا لمضمون ما « .

إن تصوير الناقة هو موضوع جمالي محض، وعلينا أن نتأمله بالحس والروح. يقول الدكتور زكريا إبراهيم([18]): »لو أنعمنا النظر إلى الموضوع الجمالي لوجدنا أنه أولًا وقبل كل شيء موضوع حسيٌّ يأسر انتباهنا، دون أن يكون برهانًا عل شيء، أو إثباتًا لقضية بعينها، أو إيضاحًا لحقيقة معينة، وإنما المفروض في العمل الفني أن يكون موجودًا في ذاته ولذاته... وتبعًا لذلك فإن الإدراك الجمالي هو إدراك لموضوع حسيٍّ، له صلابة الشيء وعناده ووجوده الخارجي، ولكن له أيضًا وحدة الذات، وحياتها الباطنية، وعالمها الخاص « .

وهذا يقتضي من المتلقي التعامل مع التجربة الجمالية بموضوعية، وليس من الضروري أن يندمج بها أو يتحد، ولكن عليه أن يستطيع النفاذ إلى مضمونها الروحي. يقول الدكتور زكريا إبراهيم([19]): »لقد وقع في ظن البعض أنه لا بد من أن يسقط كل حاجز يفصل الذات عن الموضوع، في اللحظة التي تصل فيها الذات إلى الاتحاد بموضوعها والاندماج فيه، ولكن هؤلاء يتناسون أن الإدراك الجمالي ليس إدراكًا صوفيًّا أو حَدْسًا دينيًّا، وإنما هو إحساسٌ ينكشف من خلاله معنى الموضوع الجمالي عن طريق ما فيه من اتحاد وثيق بين المادة والصورة، أو بين المضمون والشكل، فالموضوع الجمالي لا يخرج عن كونه شيئًا يَنقُل إلينا عن طريق سِحْر المحسوسِ عاطفة خاصة تجعل الموضوع المراد تمثيله يبدو لنا حاضرًا حضورًا واقعيًّا عينيًّا، وتبعًا لذلك فإن الإدراك الجمالي لا بد من أن يصرفنا عن ذواتنا؛ لكي يوجه كل اهتمامنا نحو الموضوع الذي يريد إدراكه، وإن كان من شأن هذا الانصراف أن يزيد من ثراء الذات، لأنه هو الذي ينمي لديها ملكة الذوق « .

لقد أودع طرفة في صورة ناقته كل معاني الجلال، فهي صورة لمثال، يدل على القيم العليا للناقة، وليست الصورة لناقة بعينها، إنما هي صورة لجماع عناصر جمالية في النوق، تراكمت في وجدان الشاعر، منذ الطفولة، ففاضت لتُصَاغ في هذه الصورة اللانهائية للناقة المثال، وهي من هنا تثير الإحساس بالجلال.

إن الصورة التي قدمها طرفة للناقة هي صورة لا نهائية، ليست محدودة الأبعاد، فهو يقدم الناقة المثال، ويكاد خيالنا يعجز عن تصورها. يقول كانط([20]): »إن الطبيعة جليلة في تلك المظاهر من مظاهرها التي يحمل عيانُها معها فكرةَ لا نهائيتِها، والحال أن هذه الأخيرة لا تحصل إلا من خلال القصور الذي يعتري حتى أعظم جهود خيالنا في تقدير عِظَمِ شيء ما « . وهذا يدل على أن الجلال هو في تصوير الناقة، أي في اللوحة التي صور فيها الناقة بوساطة اللغة، فهذه اللوحة الشعرية هي التي تحمل قيمة الجلال، وهي القيمة التي أحس بها الشاعر، ويحس بها المتلقي في القصيدة. وهي صورة راسخة في لا شعور الشاعر، بالتجربة العينية المباشرة، وبالثقافة المتوارثة، فكل الشعراء الذين قبله والشعراء المعاصرين له وصفوا الناقة وسمع وصفهم لها، ثم اصطنع لنفسه هذا النموذج.

ومرجعية صورة الناقة الثقافية إلى المجتمع لا تلغي إبداع الفرد، بل إبداع الفرد هو الأول، والأساس. يقول جان برتليمي([21]): »إن الفرد، لا المجتمع، هو الذي يملك الموهبة الإبداعية، وأكثر الفنون الشخصية يحمل في ظاهرها طابع شخصية الفنان، لكن ليست الأنا السطحية وحدها هي التي توضع موضع الالتزام، بل العمل الفني هو الذي يعبر قبل كل شيء عن الأنا العميقة، الأنا السرية اللاشعورية التي تتكون من مجموعة من الذكريات والانطباعات والاندفاعات والصور التي تفلت منا، ولا نحس بها، وتقودنا دون أن نعلم « .

وهذه الصورة للناقة لا تقدم لنا معرفة بالناقة، على الرغم مما فيها من تفاصيل، إنما تقدم لنا إحساسًا بعظمتها، وقوة تأثيرها، فالمتلقي يشعر باللذة في هذا التصوير. وهذا الشعور باللذة لا يصدر عن الإحساس باللغة أو التشبيهات أو الاستعارات، أو الإيقاع والأسلوب، فحسب، بل يصدر عن هذا التكامل في الوصف، والدقة في التصوير، وفي الإحساس بحركة الحياة في الناقة، وما تملك من ذكاء. يقول كانط([22]): »يتوافق الجليل والجميل في أن كليهما يسر لذاته. زد على ذلك أن كليهما لا يفترض مسبقًا حكمًا حسيًّا ولا حكمًا محدّدًا منطقيًّا، بل حكْمَ تأمُّل، وإن كانت دعاواهما تقتصر على الشعور باللذة، فقط، ولا تنصرف إلى أي معرفة بالموضوع « .

ومما لا شك فيه أن الجلال ليس كامنًا في الناقة نفسها، وإنما في ذات الإنسان الذي يدرك جلالها. يقول كانط([23]): »من الضروري أن نبحث عن الجلال في ذهن الإنسان الذي يحكم فقط، وليس في الشيء الطبيعي الذي يصادف أن يظهر هذا الحكم فيه « .

وهذه الكثرة الكاثرة من الأبيات والمتماسكة والمتوحدة والمجتمعة في هيكل واحد، والتي هي حول موضوع واحد، هو الناقة، هذا هو نفسه سمة من سمات الجلال في تصوير الناقة، فلم يكن التصوير في مقطع من ستة أبيات، ولا في قصيدة من خمسة عشر بيتًا، يمكن أن يحيط بها المتلقي بقراءة واحدة، أو باستماع واحد، أو يلم بها بنظرة واحدة، بل هي في ثلاثين بيتًا، أي هي من الضخامة والكثرة، ما يجعل المتلقي بحاجة إلى درسها، ويحس أمامها بأنها صعبة، فإذا الأبيات في حد ذاتها جليلة عظيمة.

وقد دعا القرآن الكريم إلى تأمل الناقة في خلقها، والتفكّر فيها، وفي خلق السماء والأرض والجبال، بل قدّم ذكرها على السماء والأرض والجبال، فقال تعالى في محكم التنزيل: »أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) « . سورة الغاشية. لقد ذكر المولى عز وجل الناقة أولًا، ووضع لها خلفية تتكون من الأرض والسماء والجبال، فشكَّل لوحة فيها عظمة وجلال، وكانت الناقة في القلب منها، والمركز، ولم يذكرها في روضة أو جنة، ولم يضع لها خلفية من الورود والرياحين.

وكان طرفة يرعى إبلا لأخيه معبد، فأضاعها، فقال معبد لطرفة: »أو تظن أنك ستعيد بشعرك الإبل الضائعة؟ « . وها هو ذا طرفة قد أعاد تلك الإبل، بصنعه تمثالًا للناقة، وضع فيه أعلى قيم الجمال والجلال، مثلما أودع من قبل النحات بجماليون في تمثال جالاتيا كل ما يعشقه من جمال في المرأة. وها هو ذا يخلّد أجمل وصف للناقة العربية. وليت النحاتين العرب صنعوا تمثالًا للناقة مثلما صنع الرومانيون تماثيل للذئبة التي تروي الأسطورة أنها أرضعت روموس ورومولوس. يقول هيغل([24]): »إن الشاعر يكتب أسطورة هذا العالم إن صح التعبير، والأسطورة وثيقة من وثائق التاريخ، وكثيرًا ما تكون أصدق من التاريخ، أو كما يقول أرسطو أكثر فلسفية من التاريخ. إن التاريخ لا يقدّم لنا إلا وقائع صرفة، وهذه الوقائع قابلة للشك في كثير من الأحيان، أما الأسطورة فهي تعرفنا بالعواطف العميقة الخالدة التي تسيطر على هذه الحوادث، والتي ساهمت في إحداثها « .

إن وصف الناقة ليس وصفًا خارجيًّا لغويًّا، وليس تقصيًّا تشريحيًّا لجسمها، فهو لا يذكر عدد أضلاعها، ولا عدد عظامها وفقراتها. ولا يتحدث عن عضلاتها، إنما يعبِّر عن موضوع في داخله، وهذا الموضوع هو تعلقه بالناقة، والتعبير عن الداخل جاء في صورة حسية، كما يقول سانتيانا([25]): »هو تحويل لذات معينة إلى موضوعات خارجية « . فوصف الشكل هو حس، لكنه يدل في داخله على روح ومعنى وقيمة.

إن وصْفَ الشاعر الناقة وصفٌ جليل، لا لأنه يصف ناقة، بل هو جليل بهذه التفاصيل التي صورها ووصفها. وهذه الكثرة في الأوصاف هي التي تجعل من وصف الناقة موضوعًا جليلًا. يقول سانتيانا([26]): »إن الطابع الحسي للموضوع هو ذاته مصدر جلاله « .

والجميل في تصوير طرفة لناقته أنه لا يصورها لمجرد التصوير، بل يذكر أنه يمضي عليها مرتحلًا في الصحراء، لينجو من الهم والقلق الذي يعتريه. وهو في نهاية هذا التصوير يذكر أنه وصل بها إلى صاحبه، فقال له صاحبه مُرَحِّبًا: لقد كلفت نفسك مشقة، وليتني كنت أخلصك من عناء هذا السفر. ويتذكّر الشاعر صعوبة الطريق التي سلكها، ويكاد لا يصدق أنه قد نجا من المهالك والصعاب، على الرغم من أن طريقه لم تكن تمر بقطاع الطريق.

وفي بدء التصوير يقول:




وفي ختام تصوير الناقة يقول:




فالشاعر يمضي على ظهر ناقته لغاية نبيلة، وهي أن يسلّي نفسه من الهم، لا من أجل مديح أو كسب مادي. وفي هذا البدء كما في هذا الختام لتصوير الناقة ما يمنح التصوير وحدة وتكاملًا، ويؤكد الخطر في الطريق، ويدل على طابع الجلال. وهذا التصوير كان في أثناء رحلة عبر الصحراء، لها بدء ولها منتهى، وهذا ما يجعل التصوير ذا وحدة متكاملة، وليس مجرد وصف ساكن.

إن الناقة بحد ذاتها جليلة، ولكن تتحول إلى قيمة الجلال عندما تولّد في النفس انفعالًا خلقيًّا معينًا؛ فهي تولّد في النفس الإحساس بأنها رفيقة السفر، وهي التي تنجّي من الهمّ، يفزع إليها صاحبها ليتخلص من القوم وعنتهم، ويتخذها وسيلة للسياحة والانفراد بنفسه، ويغدو حرًّا في رحلة لا نهائية نحو المجهول. يقول سانتيانا([27]): »إن الأفكار والفعال هي وحدها التي تتصف بالجلال، أما الأشياء المرئية فلا تصبح جليلة إلا عن طريق التمثيل والإيحاء، حينما تولد في النفس انفعالًا خلقيًّا معينًا، في حين أن الجمال ينتمي إلى الأشياء المرئية وحدها، ولا يمكن نسبته إلى الحقائق الخلقية إلا عن طريق المجاز، فالذي نحوّله إلى موضوع في الجمال هو إحساس، بينما في حالة الجلال نجد أن الفعل هو الذي نحوّله إلى موضوع، ولا بد أن يكون هذا الفعل سارًّا، وإلا لكان الجلال صفة سيئة، لا نود أن نقابلها في العالم « .

إن تدقيق طرفة في وصف جسم الناقة وشكلها وخلقها وحركتها، وهذا الحشد من التفاصيل، كل ذلك يجعل من تصوير الناقة فنيًّا عملًا ضخمًا في ثلاثين بيتًا، لا نستطيع أن نستوعبه كله دفعة واحدة، مثلما هي الناقة نفسها في ضخامتها، ولا يمكن أن نستوعبها كلها دفعة واحدة، هذا كله يجعل من الناقة جليلة، ويجعل من وصفها عملا فنيًّا جليلًا.

ولا بد من الإشارة إلى أن طه حسين قد شكّ في اللوحة التي صوّر فيها طرفة الناقة، ورأى أن الأبيات الثلاثين هي من نسج اللغويين في عصور تالية. واحتج لذلك بوعورة ألفاظها وصعوبتها، قياسًا على سهولة ألفاظ القصيدة، وسهولة ألفاظ قبيلة ربيعة التي ينتمي إليها الشاعر. ورأى طه حسين أن مرجع الوعورة في الألفاظ إلى اصطناع اللغويين وإضافتهم الأبيات إلى القصيدة، ولم يقل أحد بذلك من القدامى. يقول طه حسين([28]): »وأنت إذا قرأت شعر طرفة رأيت فيه ما ترى في أكثر هذا الشعر الذي يُضاف إلى الجاهليين، ولا سيما المُضريين منهم، من متانة اللفظ وغرابته أحيانًا، حتى لتقرأ الأبيات المتصلة فلا تفهم منها شيئًا دون أن تستعين بالمعاجم، ولكنك مضطر إلى أن تلاحظ أن هذا الشعر أشبه بشعر المضريين منه بشعر الربعيين... وانظر في هذه الأبيات التي يصف بها الناقة... فيضطرنا إلى أن نفكر فيما قلناه من قبل من أن أكثر هذه الأوصاف أقرب إلى أن يكون من صنعة العلماء باللغة منه، إلى أي شيء آخر « .

ويبدو أن طه حسين قد نسي أن الناقة مرتبطة بالبيئة الصحراوية، وأنها بعيدة عن بيئتنا وعصرنا، ومن الطبيعي أن تكون ألفاظها مرتبطة بعصرها وبيئتها، وغريبة علينا ووعرة وصعبة. ونسي أن الألفاظ تحمل وراءها دلالات عصرها وبيئتها ومناخها.

ومما لا شك فيه أن ألفاظ الشعر الجاهلي في معظمه ألفاظ صعبة، يحتاج فهمها إلى المعجم، ولكن ما إن يفهم المرء معنى اللفظ حتى يتضح له معنى الشعر، فليس في الشعر الجاهلي غموض. ومع ذلك فليس كل الشعر الجاهلي صعب الألفاظ غريبًا علينا، بل إن بعضه سهل قريب الفهم واضح المعنى الوضوح كله، ولا سيما ما تعلّق منه بالعواطف والمشاعر، والخبرات والتجارب الإنسانية. ومنه قول طرفة نفسه:




والأبيات السابقة يتداولها عامة الناس في القرن الحادي والعشرين، وبينهم وبين طرفة خمسة عشر قرنًا، ومن الطبيعي أن يكون غريبًا ما يتعلّق بالناقة من ألفاظ.

ولو أن طه حسين تذكّر أخبار طرفة، وما كان من رعيه إبل أخيه معبد، وما كان من شرودها في الصحراء وضياعها، ثم توسله إلى أعمامه أن يعوضوه إبل أخيه الضائعة، لو تذكر ذلك، لأدرك أن تصوير الناقة هو تعبير عن مشكلة طرفة مع الإبل، وأن هذا التصوير المطوَّل هو تعبير عن قلقه وألمه بسبب ضياع تلك النوق. ولتأكد له أن هذا التصوير المطوَّل هو جزء لا يتجزأ من المعلقة، وأنه تعبير واضح عن شخصية طرفة.

3- مشهد عقر الناقة

وثمة مشهد بعد ذلك جليل، يصوّر فيه الشاعر هجومه على مجموعة إبل، وهي قاعدة في مباركها، فأثار النوق التي في المقدمة، وجرّد عليها سيفه. ثم مرت أمامه إحدى النوق، وهي كبيرة عظيمة، وكانت حاملًا، يملكها رجل بخيل شديد الخصومة، فما كان من طرفة إلَّا أن عقر الناقة، فقال له الرجل: لقد أتيت أمرًا عظيمًا. ثم قال الرجل للقوم: اتركوه ينعم بها، كي يسلم لنا باقي القطيع، ثم ذبح الخدم الناقة، واستخرجوا الجنين من بطنها، واشتووا لحمها. وتناول طرفة مع صحبه أطايب لحمها، وفي ذلك يقول:




وعقر الناقة يكون بقطع رجلها، ثم ذبحها، وهي عادة معروفة عند العرب، وليس وراء هذه العادة أي معنى أو دلالة سوى الضرورة، فالناقة ذات قوائم عالية، ومن الصعب نحرها، فلذلك لا بد من قطع إحدى قوائمها لتقعد، ثم يكون نحرها. جاء في لسان العرب([29]): »وكانوا إذا أرادوا نحر البعير عقروه، أي قطعوا إحدى قوائمه، ثم نحروه، يُفعل ذلك به كيلا يشرُدَ عند النحر « .

ويكون شواء الناقة بعد نحرها في المَلَّة، وذلك بدفن اللحم في حفرة فيها بقايا نار ورماد وحجر ساخن، وتغطى الحفرة حتى ينضج اللحم. وهي عادة معروفة عند العرب، وذَكَرَ هذا من قبل امرؤُ القيس في معلقته، حيث أخبر أنه خرج مع صبايا من قومه إلى غدير ماء، فعقر لهن ناقته، واشتووا اللحم، ثم يقول([30]):




وليس بالضرورة أن يكون طرفة قد عقر ناقة الرجل العجوز، ولعلّه سار على تقليد شعري، جارى به امرأ القيس. أو لعله عبّر به عن رغبة، ومارس الحرية، وحقق ذاته شعريًّا، وأمتعنا. يقول سانتيانا([31]): «وما على الشاعر إلا أن يدرس نفسه، ويدرس فن التعبير عن مُثُله العليا لكي يجد نفسه يعبر عن مُثُل غيره من الناس أيضًا، عليه أن يقوم في نفسه بتمثيل الدور الذي تلعبه كل من شخصياته، وإذا أتيحت له المرونة وتحديد الخيال فإنه قد يعبّر لغيره من البشر عن تلك النزعات الباطنية، التي ظلت عندهم بكماء على نحو مؤلم، وحينئذ يقدِّره الناس ويعتبرونه خبيرا بالروح الإنسانية. ومع أنه قد لا يعرف شيئًا عن الناس، وقد لا يكون عنده ما يذكره من التجربة، فإن مخلوقاته تعتبر نماذج طبيعية وأنماطًا بشرية. وسيرد ذكر أسمائها على كل لسان، وستزيد حيوات أجيال كثيرة غنى برؤيتهم لهذه الكائنات الخيالية، فهذه الكائنات الخيالية لها فرديتها دون أن تتوافر فيها صفة الوجود الحقيقي، لأن الفردية شيء يكتسب في الذهن، عن طريق تجميع الانطباعات. ولها أيضًا سلطان لأن ذلك يعتمد على مدى صلاحية المؤثر لِلَمْسِ أوتار الاستجابة في الروح. ولها أيضًا جمالها، لأنها تتضمن أعظم ملذاتنا الخيالية، ألا وهي لذة تجسيد قدراتنا الكامنة، وتحولاتنا في جميع أشكال الوجود الممكنة، بغير ضوابط الوجود الفعلي ومتناقضاته».

والأمر لا يرجع إلى مجرد تقليد لغوي يجاري الشاعر به غيره، إنما هو قدرة على تخيل الشاعر حالات، والإحساس بمشاعر وانفعالات لعله لم يعشها عيانًا، بل أحس بها من خلال ملاحظته معاناة الآخرين، ومشاركتهم أحاسيسهم ومشاعرهم، ثم قدرته على التعبير عنها. يتحدث زكريا إبراهيم عن ذلك، فيقول([32]): «كثيرًا ما نتعاطف مع حالات وجدانية لم يسبق لنا اختبارها سيكولوجيًّا، أو الاستجابة لها في صميم حياتنا الاجتماعية، ولولا هذه المقدرة الحيوية الموجودة لدينا على مشاركة الغير، وفهم مواقفهم النفسية والاجتماعية، لكان كل فرد منا مجرد سجين، يحيا أسيرًا لتجاربه الخاصة وخبراته الذاتية».

ومثل هذه الأفعال العظيمة ربما تكون مجرد تعبير عن حلم، وتصويرًا لنزعة غريزية مكبوتة. يقول فرويد([33]): «الفنان في الأصل رجل تحوّل عن الواقع لأنه لم يستطع أن يتلاءم مع مطلب نبذ الإشباع الغرزي كما وُضِعَ أولًا. وبعد ذلك أطلق العنان في حياة الخيال لكامل رغباته الغرامية ومطامحه، غير أنه وجد طريقًا للعودة من عالم الخيال هذا إلى الواقع. وهو يصوغ في تهويماته بمواهبه الخاصة، نوعًا آخر من الواقع، ثم يمنحها الناس تبريرًا باعتبارها تأملات قيمة في الحياة الواقعية».

إن مشهد الهجوم على قطيع الإبل، وهي هاجعة في مباركها، وعقر إحداها، هو مشهد حلمي حقق به طرفة رغبته في تدمير الإبل كلها، وإن اكتفى حتى في الحلم بعقر ناقة واحدة لرجل عجوز بخيل نحيل، معبٍّرًا بذلك عن نقمته على مجتمعه، ومحققًا فعلًا عظيمًا جليلًا بكل معنى الكلمة، فيه من قوة الفعل ما يجعله جليلًا. وهو في الحقيقة حلم، نفّس به عن قهره من ضياع الإبل. يقول هيدجر([34]): «الشعر كالحلم، وليس حقيقة واقعة، إنه لعب ألفاظ، وليس جد أفعال».

وقد يبدو مشهد عقر الناقة بهذا العنف متناقضًا مع تصويره الناقة في ثلاثين بيتًا، ويكون السؤال: كيف يبني لوحة رائعة يصنع فيها تمثالًا رائع الجمال للناقة، ثم كيف يهجم على ناقة فيعقرها؟ مع القول بأن المشهدين هما من الحلم أو حلم اليقظة. كيف يحلم تارة بخلق ناقة وتصويرها، وكيف يحلم تارة أخرى بتدمير ناقة؟ لقد دمَّر هنا صورة ناقة رجل بخيل نحيل، انتقم منه ومن القبيلة، وصنع من ذاته فردًا متميّزًا، وبنى هناك صورة لناقة، فأحسن تصويرها، هي ناقته الخاصة، هي ناقة القيم والجمال والجلال والكمال، هي ناقة بناها باللغة، وتركها للفن والتاريخ، وقضى بالمقابل على ناقة في الواقع، هي تأكيد لرغبته الحلمية في أن تضيع الإبل، نقمة على المجتمع وانتقاما منه.

وهو من قبل أتلف طريفه وتالده من المال، وما هذا المال الذي أنفقه على الخمرة؟ هل هو الدراهم والدنانير؟ أم هو الإبل والنوق؟ ومن المعروف أن المال عند العرب هي الإبل، وهكذا فإن طرفة الذي أتلف إبله وأنفقها في شرب الخمرة مع نداماه، الذين هم كالنجوم، هو نفسه طرفة الذي يريد أن يعقر ناقة ذلك الرجل البخيل النحيل، الذي عنده نوق كثيرة، هاجعة في مباركها، لا يحركها ولا ينحرها ولا ينفقها.

ومهما يكن من أمر، فإن مشهد عقر الناقة، وذبحها، وغضب الرجل العجوز، واستياءه من طرفة، ثم اشتواء طرفة اللحم، وتمتعه بها مع صحبه، هو مشهد فني سريع مختصر، فيه حركة وتصوير ووصف موجز. وفيه تحولات عدة، من خوف الإبل، ونفور إحداها، إلى غضب الرجل العجوز، ثم تسليمه للأمر الواقع، ثم ابتهاج طرفة باشتواء اللحم. وهي حالات من الحركة والانفعال فيها تنوع، تثير في البدء الإحساس بالذعر والخوف، ثم تبعث على البهجة والسرور، ويتحقق في المشهد مفهوم الجليل.

لقد استطاع طرفة في هذا المشهد، ولو باللغة والخيال، أن يحقق حريته، ويثبت وجوده. يقول سانتيانا([35]): «إن النشوة السامية تصاحب تأكيد الذات أمام عالم لا يمكن السيطرة عليه هي لذة عميقة تامة؛ بحيث إنها توفر لنا عنصر القيمة السامي، الذي كنا نبحث عنه حينما حاولنا أن نفهم كيف يبعث التعبير عن الألم على اللذة أحيانا».

4- الناقة والموت:

وعلى الرغم من ذلك كله، فإن للإبل صورة أخرى مختلفة كليًّا في وجدان العربي، وهي صورة كريهة مخيفة، فهو يشبه بها الموت، لأن الإبل إذا ثارت وغضبت دمرت وقتلت، ومن ذلك تشبيه زهير الموت بناقة عشواء، مَنْ تطأْه بقدمها تحِنْ منيتُه، ومن تُخطِئْه، فإنها لا بد ستطؤه في يوم آخر، وذلك في قوله([36]):




بل إن زهيرًا نفسه رأى الحرب وما تجرّه من ويلات، وما يكون لها من عواقب وخيمة، فشبّهها بناقةٍ ولودٍ تحمل وتضع توأمين، وترضع وتفطم، وسرعان ما تحمل وتضع توأمين، دلالة على نتائج الحرب المتعاقبة والمتكاثرة والوخيمة. وهي تنتج أجيالًا من الأولاد الأشقاء، مثلهم كمثل أشقياء قوم ثمود الذين عقروا الناقة، فعاقبهم المولى بتدمير ديارهم، وذلك في قوله([37]):




وتبدو صورة الجمل عند امرئ القيس ثقيلة خانقة، فهو يشبه الليل وقد تطاول عليه بجمل أناخ فوقه، وألقى عليه بصدره، بل أردف أعجازه، ثم تمطى فوقه، وزاد من الضغط عليه، والشاعر يحس تحته بالثقل، ويقول في ذلك([38]):




والصورة مخيفة، فهي خانقة، وتدل على كره للجمل، وإحساس بثِقَل حضوره، ويكفي أنه شبه به الليل المتطاول، وما أقساه من ليل.

ولا يقل عنترة بن شداد عن زهير وامرئ القيس كرهًا للإبل، فهو يصوّر تهيؤ الأحبة للارتحال، في الليل الأسود البهيم، ويحس بألم الفراق، وهو يرى في مضارب القوم أربعًا وأربعين ناقة سودًا تسف حب الخمخم الأسود الجاف، استعدادًا للرحيل بمَنْ يُحِبُّ، فيقول([39]):




فالشاعر يصور ساعة الرحيل، ويجعل الصورة معتمة سوداء حالكة السواد، فقوم الحبيبة يستعدون للرحيل ليلًا، والإبل تسفُّ حب البقل الأسود، وهو يعدُّ النوق فيجدها أربعًا وأربعين، دليل اهتمامه وحزنه، وهي نوق سود كالغراب. ومما لا شك فيه أنه كره هذه النوق، وكره لونها، ولذلك لشبهها بالغراب الأسود، ولشبهها بلونه الأسود الذي يكرهه. والصورة مخيفة، تثير الإحساس بالرعب والقهر وهول الفراق، والجليل يثير في البدء الخوف، ثم تطمئن النفس، وتنظر إليه بموضوعية، فيبدو جليلًا.

إن تعبير امرئ القيس عن تألّمه من طول الليل، وتعبير عنترة عن حزنه لمشهد ارتحال الأحبة، وتعبير زهير عن خوفه من الحرب وتألمه لنتائجها الوخيمة، هو محاولة من كل منهم لتأكيد ذاته أمام تلك المواقف الصعبة، التي لا يستطيعون التغلب عليها. وهذا التعبير هو بحد ذاته يثير الإحساس بالمتعة، ويبعث لذة من نوع خاص، هي نفسها الإحساس بالجليل.

ويؤكد ذلك سانتيانا إذ يرى أن التعبير الفني عن الألم يبعث فينا لذة سامية، هي الإحساس بالجليل، فيقول([40]): «إن النشوة السامية التي تصاحب تأكيد الذات أمام عالم لا يمكن السيطرة عليه هي لذة عميقة تامة، حيث إنها توفر لنا عنصر القيمة السامي، الذي كنا نبحث عنه حينما حاولنا أن نفهم كيف يبعث التعبير عن الألم على اللذة أحيانا».

إن تحدي أولئك الشعراء لموضوع خارجي صعب وخطير، هو ما يبعث في النفس النشوة، ويؤكد قيمة الجلال. يقول سانتيانا([41]): «نجد في الجلال كمالًا أصفى وألصق بنا، عن طريق تحدينا للموضوع تحديًا كاملًا».

وهذا الحديث عن كره هؤلاء الشعراء للناقة والإبل ليس حشوًا ولا استطرادًا، وإنما هو لضرورة البحث، ليتبين أولًا أن المخيف هو شكل من أشكال الجليل، لكنه المخيف الذي لا يؤذي. وهو ضروري للبحث ليتضح حقيقة موقف طرفة العاشق للناقة، بخلاف هؤلاء، مع أنه مفجوع بالنوق في حياته، فقد أضاع إبل أخيه، وقرَّعه أخوه، ولامه وسخر منه، وكان أعمامه أيضًا قد حرموا أمه حقه من ميراث زوجها من الإبل وهو صغير.

وفي الواقع قد يقف المرء أمام الناقة فلا يراها جليلة، بل قد لا يراها جميلة على الإطلاق. وقد يخافها، إذا كان لا يعرفها من قبل، أو كان لا يألفها، وهذا الإحساس طبيعي، وليس غريبًا، فالجليل في الطبيعة يثير الخوف والرهبة، لأن المتلقي لا يستطيع أن يحيط به، ويجد خياله قاصرًا عن إدراكه، ومن هنا يتولد الإحساس بالجلال، وفي هذا يقول كانط([42]): «الإحساس بنفور متحول سريع من الشيء، وانجذاب نحو الشيء نفسه... هو على وجه الدقة جاذب بقدر ما هو منفر للحساسية المجردة». ثم يضيف كانط فيقول([43]): «إذا كان ينبغي علينا أن نحكم على الطبيعة من الناحية الحركية، بوصفها جليلة، فيجب تمثلها باعتبارها باعثة على المخاوف».

والجمل يثير في البدء لمن لا يعرفه أو لا يألفه الخوف، نظرًا لضخامة حجمه، فهو أطول من الإنسان، ويكاد طوله يبلغ 180 سم. ويقوى هذا الخوف من الجمل لدى من يراه أول مرة، ولا سيما من أبناء المدن، ولكن سرعان ما يألف المرء الجمل، وإن كان سيظل يرهبه ويخافه، وليس هذا بغريب ولا مستنكر. وإذا كان من بعض بنات المدن من تنفر من القطة، وتشمئز، فإن من بعض بنات المدن أيضًا من تخاف من القطة الخوف الحقيقي، ولذلك ليس غريبًا أن يحس المرء أمام الجمل بالرهبة. وأتى كانط بمثل من الطبيعة، فقال([44]): «الصخور الناتئة المعلقة، وكأنها تشرف على السقوط، والغيوم المرعبة التي تتكلكل في كبد السماء، وهي تحمل وميض البرق، وهزيم الرعد، والبراكين التي تزبد بعنفها المدمر فتجعل من قدرتنا على المقاومة شيئًا تافها، قياسًا بقوتها الهوجاء، لكن رؤيتها لا تصير أكثر جاذبية إلا إذا كانت أكثر إثارة للمخاوف، ما دمنا نجد أنفسنا في مأمن من هذه الأشياء، ونسميها أشياء جليلة، عن رضاء، إنها ترفع من قوة أنفسنا فوق مستواها العادي، فتتيح لنا أن نكتشف داخل أنفسنا قدرة على المقاومة من نوع مختلف تمامًا، وتهبنا الشجاعة على قياس أنفسنا في مقابل جبروت الطبيعة الواضح».

ولعل هذه الصورة الكريهة للناقة راجعة في جذورها الأولى إلى ناقة صالح، وقد أرسله الله إلى قوم ثمود، وكانوا أقوياء، ينحتون في الجبال بيوتًا، فأخرج الله لهم من الجبل ناقة، وكان في قريتهم نهر، فأذن لهم ربهم أن يشربوا منه ماشاؤوا، على أن يمتنعوا من الشرب منه يومًا في الأسبوع، كي تشرب منه الناقة، وهي تسقيهم من لبنها باقي أيام الأسبوع، ولكن مجموعة من الشبان الأشقياء، تعاطوا الخمرة، ثم عقروا الناقة، فغضب عليهم ربهم، ودمّر ديارهم.

وقد ذكر المولى عز وجل قصة قوم ثمود وعقر أشقيائهم الناقة بالتفصيل، في غير موضع، ومن ذلك قوله عز وجل في محكم التنزيل: «فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)» (سورة الأعراف). وقال عز وجل على لسان صالح: «وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68)» (سورة هود). وقال تعالى في محكم التنزيل على لسان صالح يخاطب قومه: «قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157)» (سورة الشعراء). وقال تعالى: «إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30)» (سورة القمر). وقال جل شأنه: «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)» (سورة الشمس).

وتبدو هذه الصورة راسخة في اللاشعور الجمعي، أو متوارثة عبر الثقافة الشفهية المتوارثة للمجتمع، وأكبر دليل على ذلك إشارة زهير إلى الأشقياء الذين عقروا الناقة.

وهذه الصورة الكريهة للناقة، والمخيفة، لا تتناقض في شيء مع حب الناقة، والإعجاب بها، واتخاذها وسيلة للارتحال في الصحراء، والتسلية عن الهموم، فالناقة صورة بدائية، هي قوة نافعة، وقوة مدمرة، مثلها مثل المطر والريح والنار. تصنع الخير والعمار والثمار، وقد تأتي بالدمار والموت والهلاك، وكذلك الناقة، وفي هذا التناقض والتكامل، ما يؤكد صفة الجليل في الناقة، لأن من صفات الجليل أنه مخيف. ويوضح سانتيانا حقيقة الخوف أمام الجليل، فيقول([45]): «ولكننا نجد خلطًا بين العلّة العادية للجلال، والجلال لذاته، إن الإيحاء بالرعب يجعلنا ننكمش في ذواتنا، ثم لا نلبث أن نشعر بأننا في أمان أو ألا شيء سيؤثّر فينا فيولّد هذا فينا حركة عكسية، فنشعر بالانفصال والتحرر، وهو الشعور الذي يتألّف منه الجلال في الحقيقة ».

ويظل لطرفة موقفه المتميز من الناقة، فهو يرى الناقة كالإنسان، أو يرى الإنسان كالناقة، فكلاهما محكوم بالموت، ولا بد أن يأتيه الموت، كلًّا منهما في ساعة محددة؛ إذ جعل العمر أشبه بالحبل المرخى للناقة، وكذلك للإنسان، فهي تسرح ما تسرح، ولكن طرف الحبل مشدود إلى يد الراعي، ومتى ما شاء جذبها إليه، فيوافي الأجل، وفي ذلك يقول([46]):




فالناقة مشدودة بحبل طويل إلى يد راعيها، وهي تسرح ما تسرح، ما دام الحبل مرخى لها، لكنها لا يمكن أن تفلت من يد الراعي، إذ يمكنه أن يشدها إليه وقتما يشاء، وكذلك شأن الإنسان. والصورة راعبة، جليلة، مخيفة، وهي تقرر حقيقة، كونية، إذ تؤكد أن الموت هو مصير كل الكائنات الحية، سوء في ذلك الإنسان والناقة، وسائر المخلوقات.

إن نظرة طرفة إلى الناقة هي نظرة إنسان إلى كائن حي، ووراء تصويره لها إحساس وقلب وروح ومشاعر، وفي الحقيقة لا يمكن أن نحس بجمال الناقة أو جلالها إلا إذا أحسسنا بأن وراء الناقة إنسانًا. يقول غويو([47]): «إننا حين نرى الطبيعة جميلة، فإننا نتصورها حية، ونتخيلها في صورة إنسانية، على قدر الإمكان». ثم يستشهد بما يقوله تيرانس، وهو قوله: «إنني لا أعنى إلا بما هو إنساني، فلو لم يكن هنالك ما يزين الكون غير الوزن والعدد والقياس، لما هزنا هذا الكون، ولما مسّ منا أوتار القلوب».

القسم الثانيالجليل في المواقف والأفعال
1- مشكلة الموت ومشكلة المجتمع:

أمام الموت والمجتمع، يتخذ طرفة مواقف يظهر فيها الجلال. يقول رسكين([48]): «ما يبعث العظمة أو الجلال في الوجدان ليس الخوف ولا القلق الغريزي وحب البقاء، بل هو تأمل الموت، والإحساس بمعاني القدر الآتي. إن عمق القدر الأقصى لا يتجسد في الحالات التي نتراجع فيها أو ننزوي، وإنما في لحظات التحدي الرائعة، وأخيرًا فالجلال لا يكون أبدًا فيما ينتابنا من مشاعر الرعب أو سكراته».

لقد واجه طرفة، وهو شاب، مشكلتين اثنتين، الأولى هي المجتمع المادي، الذي لا يقدّر الإنسان إلا بما يملك. وهو المجتمع نفسه الذي ظلمه، فقد استولى أعمامه على حصة أمه من ميراث أبيه من الإبل، وقد توفي أبوه وهو صغير، وحرموه حقه. وعمل طرفة في رعي إبل أخيه معبد، فشردت منه، فطالبه بها، وما كان منه إلا أن لجأ إلى ابن عم له، فعوّضه عنها. هي مشكلة مجتمع بخيل، قاس، لا يقدر إلا المال، والمال هو الإبل.

والمشكلة الثانية هي مشكلة الموت، فالموت بالنسبة إلى الجاهلي هو انتهاء الحياة، بما فيها من متع ولذات، والمصير هو العدم الكلي، فلا شيء في تصوره بعد الحياة، فالموت عدم وفناء وهلاك. وليس وراء الموت بعث ولا نشور ولا حياة أخرى، ولذلك سيكون موقف طرفة مفاجئًا لنا، وقد لا نقبله من منطلق ديني أو أخلاقي، كما قد لا نقبل موقفه السابق في عقر الناقة، ولكننا هنا نعرض موقفه من خلال عصره وبيئته، ومن خلال فتوته واندفاعة الشباب فيه، ونناقشه أيضًا من منطلق جمالي بحت، بوصفه موقفًا جليلًا، وإن كنا لا نقرّه عليه.

وقد واجه طرفة المشكلتين معًا، بالجود والكرم والبطولة وانتهاب الملذات، فهو القائل:




إن تحدّي طرفة المجتمع، وانتصاره على البخل والموت والزمن بالمتع الثلاث، الخمرة والمرأة والفروسية، هو ما يجعلنا نحس بنبل هذا الفتى، الذي ينفرد عن المجتمع، ويتفرّد، ولكنه لا ينعزل؛ إذ يحضر المجالس، ويلبي المستغيث. هذا الانتصار على المجتمع، هو الذي يجعلنا نحس بنبل موقفه، بل بجلال موقفه. ويبدو طرفة بن العبد مستقلًّا عن مجتمعه، وليس منعزلًا عنه، فهو يعيش حياته الخاصة، في جوّ من البذخ والترف، وإتلاف المال، ولا تهمه مفاهيم المجتمع ولا عاداته. وهو مع ذلك ليس منعزلًا عنه، فهو يشرب الخمرة مع ندامى، هم أصحاب مكانة عالية، ومن كبار القوم وشرفاء، كأنهم النجوم. وهو يحضر المجالس التي يحضرها عِلْيَةُ القوم، وهو يسرع إلى نجدة الملهوف، وله بعد ذلك حريته واستقلاله، وله حياته الخاصة التي تميزه، وما هو ببخيل ولا شحيح، فموقفه من مجتمعه موقف جليل.

2- الاستقلال والتفرد لا العزلة:

يقول كانط([49]): «إن الانفصال عن كل مجتمع يعتبر أيضًا شيئًا جليلًا، إذا كان يستند إلى أفكار تبدو بمنأى عن أي اهتمام محسوس، وهكذا فإن الاكتفاء بالذات وعدم الاحتياج إلى المجتمع، ولكنْ مِن دون الانطوائية، أي الهرب من المجتمع، هو شيء يدنو من الجليل تمامًا، كالتعالي على الحاجات». ولقد كان طرفة مستقلًا عن مجتمعه، ولكنه لم يكن منطويًا على نفسه، بل كان يغيث الملهوف، ويحضر المجالس، فهو القائل:




فالشاعر يصرّح بأنه لا يعتزل القوم، ولا ينعزل عنهم، وإذا ما طلب قومه منه العون والمساعدة، بادر إلى مساعدتهم. وهو ذو حضور واضح في قومه، فإما أن تجده في مجالس القوم، وهذا دليل على وجاهته وذكائه وحسن حديثه، وإما أن تجده في الحانوت، يشرب الخمرة مع صحبه، دليلًا على جوده وكرمه. وإذا ما اجتمع القوم وتذاكروا أمجادهم كان يفتخر بانتسابه إلى بيت رفيع عالي المقام، وهو يجود عل صحبه بالخمر في مجالسها، وصحبه كرام أغنياء كأنهم النجوم في السمو والرفعة والمكانة في المجتمع.

إن الشاعر يمارس قواه الحيوية، ويرتبط بالمجتمع، ويمنح من ذاته ويعطي، فهو ينجد القبيلة إذا دعته، ويحضر مجالس الكبار من القوم أصحاب الرأي والمشورة، ويكرم ضيفه، بل يدعو كبار القوم إلى شرب الخمرة، وتجود عليهم جارية بالعزف والغناء، وهو بذلك يمنح من نفسه وماله ووقته وقوته، وليس يبخل بشيء، ولا يقتني أي شيء.

ولذلك غضبت عليه القبيلة لإتلافه ماله، في الكرم والجود والملذات، وقد أكدّ الشاعر أن هدفه من الحياة ليس جمع المال، بل إنفاقه، وحدد لنفسه ثلاثة أنشطة، يحقّق بها ذاته، وهي شرب الخمرة، وممارسة الجنس، وتلبية نداء المستغيث واستضافته والجود عليه.

ولا بد من أن يلاحظ أنه يبادر إلى شرب الخمرة قبل أن تسبقه العاذلات إلى اللوم، وكأن الغاية من شرب الخمرة ليس متعة شربها فحسب، بل متعة تحدّي المجتمع، لأن ثمن الخمرة غال، وعليه أن ينفق فيها ماله. وهو يمارس الجنس مع المرأة في يوم الدجن، وهو اليوم الماطر، وكأنه بذلك يشارك الطبيعة متعة التواصل والخصب، وينفتح على الكون والحياة. وهو بعد ذلك يغيث الملهوف إذا ناداه، ويسرع إليه على جواده المعدّ دائمًا للنجدة وتلبية النداء. وهذه المواقف فيها البذل من النفس والمال، وممارسة البطولة والاستمتاع بالمنح والعطاء.

ولذلك يمكن أن تعدّ هذه الفعال أفعالًا نبيلة، فيها جلال وعظمة، بمقاييس عصرها الاجتماعية، لا بالمعايير الأخلاقية. ولا نعني بها شرب الخمرة، إنما نعني بها تحدي المجتمع وتحقيق الفرد ذاته، وتحقيق الذات. ولا نعني الجنس والإباحة، إنما نعني الانفتاح على الكون والإحساس بالوجود. ولا نعني بها التهور والإسراف، إنما نعني بها إغاثة الملهوف.

إن تقييم موقف طرفة من المجتمع والموت، لا يمكن أن يكون بالانطلاق إلا من المجتمع الذي عاش فيه، وفي عصره، وهو موقف يريد منه التفرد والانفراد، وهو موقف شخصي خاص به، حتى إن طرفة نفسه لا يدعو الناس إلى الأخذ بموقفه، هو يعبّر عن ذاته فحسب.

3- الكينونة لا التملك:

وبشكل أوضح، إن موقف طرفة نقيض البخل والشح والجبن والتردد، هو نقيض الخنوع والكسل والخضوع والاستسلام للمجتمع، هو نقيض التملك وحب المال. من هنا يمكن أن تعد أفعاله أفعالًا جليلة، بمقاييس عصره، وعندما ننظر إليها بوصفها تحديًا للمجتمع، وتحدّيًا للموت، الذي هو بالنسبة إليه عدم مطلق وهلاك وفناء، لذلك أنفق أمواله الخاصة والأموال التي ورثها، ولذلك تحامته العشيرة، وأفردته، كأنه الجمل الأجرب. وفي ذلك يقول:




إن هناك أسلوبين في الحياة، ليس أحدهما بديلًا من الآخر، ولا يمكن الأخذ بأحدهما، ولكن لا بد من تغليب أحدهما، وهو ما يميز الشخصية، وهما التملك والكينونة. أي تحقيق الذات، بالفعل والممارسة والحيوية، والبذل والعطاء، أو التملك والبخل والشح. ويوضح ذلك إريك فروم فيقول([50]): «حين أتحدث عن التملك أو الكينونة... أقصد أسلوبين أساسيين للوجود، نوعين مختلفين للتوجه الإنساني نحو النفس والعالم، صنفين مختلفين من بناء الشخصية، تحدّد غلبةُ أيِّهما أفكار الشخص ومشاعره وتصرفاته. في أسلوب الحياة التملكي تكون علاقتي بالعالم علاقة ملكية وحيازة، علاقة أريد بها أن يكون كل شخص وكل شيء ملكًا لي، بما في ذلك ذاتي نفسها. عند اعتبار أسلوب الكينونة يجب أن نتبيّن شكلين من هذا الأسلوب، الأول نقيض التملك، ويعني الحيوية والارتباط بروابط حقيقية أصيلة بالعالم، والشكل الآخر للكينونة هو نقيض المظهر، ويعني الجوهر الصادق الحقيقي للشخص أو للشيء، كنقيض للمظهر الخادع».

ولا شك في أن طرفة قد اختار تحقيق الكينونة، ولا سيما الفردية، فاندفع، وهو شاب، يمارس أقصى ما يستطيع من قواه وطاقته الحيوية، وبقدر لا يخلو من إسراف، لمواجهة الموت والمجتمع، ولرفض أسلوب الشح والبخل، فوقف على طرف نقيض. وهذا التطرف والمغالاة، الذي نخافه، ولكنه لا يؤذينا، هو نفسه الذي يثير في داخلنا الإحساس بجلال موقف طرفة، لأنه ليس بالموقف السهل.

يقول سانتيانا([51]): «إن ميزة الجمال الجوهرية أنه يركب دوافع الذات المتباينة ويوحدها، ويركزها بحيث يعلقها على صورة واحدة، وبذلك ينتشر السلام في هذه المملكة المضطربة. وإن أساس المتعة الجمالية والمدلولات الصوفية للجمال هو في تجربة لحظات الانسجام هذه، إلا أن هناك طريقتين للوصول إلى هذا الانسجام دائمًا، أولاهما توحيد جميع العناصر المعطاة، والثانية هي طرد واستبعاد جميع العناصر التي ترفض التوحيد. والوحدة عن طريق الجمع والشمول هي التي تعطينا الجمال the beautiful ، أما الوحدة عن طريق الاستبعاد والمعارضة والعزل فهي التي تعطينا الجلالthe sublime . وكلتاهما لذة بلا شك، ولكن لذة الجمال دافئة سلبية عامة، بينما لذة الجلال لذة باردة حادة طاغية. واللذة الأولى توحد بيننا وبين العالم، على حين أن اللذة الثانية تسمو بنا على العالم». ولقد أراد طرفة فهم العالم، واحتواءه، والتواصل معه، عبْر الكرم وإنفاق المال والتفرد، واتخذ موقفا بطوليًّا من مجتمعه، ولكن مجتمعه تحداه، ولذلك قرر الانفصال عن العالم، وعن مجتمعه، وليس الانعزال عنه، هذا الموقف هو الذي يثير الإحساس بالجلال. يقول سانتيانا([52]): «حينما يعترض شيء سبيلنا، ونحن نحاول أن نصل إلى الفهم والوحدة، وحينما نقابل شرًّا جسيمًا، وقوة معادية، لا يمكن التوفيق بينها، حينئذ نضطر إلى البحث عن السعادة من الطريق الأقصر البطولي، وحينئذ ندرك أن الذي يعترض طريقنا أشياء غريبة علينا، إلى درجة تدعو إلى اليأس، فنوطّد عزمنا ونحفز قوانا لمواجهتها، وهكذا نحس لأول مرة بإمكان انفصالنا عن عالمنا، وبثباتنا المجرد، ومع هذا الإحساس يخلق الجلال».

4- ضَرْبُ القِدَاح:

ويتجلى نبل طرفة، وسمو مواقفه في لعبه بضرب القداح. وهو نوع من الميسر، عرفه العربي في الجاهلية([53])، فكانوا ينحرون الناقة، ويقسمونها على عشرة أجزاء، ويقتسمونها بحسب قِداح يضربونها. والقِدْح هو غصن يقتطع من شجرة، وعدد القِداح أحد عشر، وفي القداح حُزُوز، في الأول حَزٌّ واحد، وفي الثاني حَزَّان، وهكذا. وسبعة من القداح لها حظ إن فازت، وعليها غُرْم إن خابت. وأربعة منها لا حظ لها إن فازت، ولا غُرْم عليها إن خابت. ولكل قِدْحٍ اسم، والسابع هو المُعَلَّى، وفيه سبعة حُزُوز، وله سبعة أنصباء، وهو أوفرها حظًا، ولذلك يُضْرَب به المثل في الحظ فيقال: قِدْحُه المعلّى.

وكان طرفة يشارك قومه في ضرب القداح، ولكنه كان يختار قِدْحًا صار أسود بفعل النار، وهو يعطيه لرجل مُجْمِدٍ، أي خائب، لا يفوز. وهو يذكر ذلك مفتخرًا، لأن ضرب القداح عنده تسلية، ولا يبغي منه الفوز. وهذا الموقف من طرفة في مفاهيم عصره يدل على النبل، وهو عمل جليل، ليس له غاية نفعية، إنما الغاية منه جمالية فحسب، وقد عبر عن هذا الموقف، فقال:




لقد تفرد طرفة في مواقفه، واختلف عن مجتمعه، وحقق ذاته فردًا، سواء بضرب القداح، أو بشرب الخمرة، أو الجود المبالغ فيه، والفروسية وإغاثة الملهوف، وهي مواقف جليلة.

5- جلال التعبير:

المعلقة هي بحدّ ذاتها عمل جليل، من ناحيتين اثنتين، من الناحية الأولى، ناحية المتلقي، هي نص، له حضور عيني مادي محسوس، نسمعه، أو نقرؤه بالعين، فهي ذات حضور. ومن الناحية الثانية، ناحية الإبداع، هي فعل بشري، أبدعه الشاعر، وعمل فيه. وسيكشف البحث عن قيمة الجلال في المعلقة من هاتين الناحيتين.

تتسم معلقة طرفة بجلال التعبير، فهي تقع في 105 أبيات، ولعلها في الأصل أطول من ذلك ([54])، وهي أطول المعلقات العشر، وجاء ترتيبها الثانية بعد معلقة امرئ القيس، وقبل معلقة زهير بن أبي سلمى. وهذا الترتيب ذو قيمة أدبية وفنية، يدل على أهمية المعلقة، فهي تعبّر عن شخصية طرفة، وتمتاز بقوة البناء، وجزالة الألفاظ. وتمتاز بتماسكها، وتطور بنائها، ووحدتها العضوية. وليس صحيحًا ما قاله القدماء من أنها تتضمن موضوعات وأغراضًا شعرية، كذكر الأطلال والتغزل بالحبيبة ووصف الناقة، والموقف من الحياة أو فلسفتها، والحكمة. هذه تقسيمات عقلية منطقية مزّق بها الدارسون القدامى المعلقة بخاصة، والشعر العربي القديم بعامة؛ فالمعلقة ذات وحدة متكاملة، موضوعها ظلم قوم طرفة للشاعر وتمرده عليهم، وتحديه للمجتمع، وتأكيد فرديته، وتحقيق شخصيته. ويمكن أن توصف بأنها جليلة، في لغتها وإيقاعها وفي العواطف والانفعالات التي تستثيرها. وما هي مقطعة في سبعة أبيات، وماهي في الشكوى والعتاب، ولا هي في الغزل والعواطف الوجدانية، فلا يمكن وصفها بالرقة واللطف، ولا بالرشاقة ولا الليونة أو السهولة. وقد أحسن طرفة التعبير عن تجربته، وأجاد، وهي في معانيها تعبر عن القوة والتحدي، لا عن الضعف والانهزام، فطرفة يتحدَّى المجتمع، ويواجه مشكلة الموت في عصره.

والمعلقة من ناحية ثانية هي فعل وعمل، وهي إنتاج بشري، بذله الشاعر. عماده الموهبة والثقافة والخبرة وتجارب الحياة، والقدرة على ممارسة النظم، وهي قوى وإمكانات بشرية جليلة. وتتجلى ثقافته في معرفته معلقة امرئ القيس، وقد ضمن معلقته بيتًا منها بنصه مع تعديل في كلمة واحدة، وهذا دليل ثقافة، ودليل جرأة من شاعر شاب يضمن قصيدته بيتًا من شاعر أقدم منه، وأكبر منه في الحياة، وفي التجربة الشعرية. ولم يعب عليه ذلك أحد، لا من القدامى ولا من المحدثين. وقد سار على نهج القصيدة العربية، فافتتحها بالأطلال وارتحال الأحبة، ثم صور الرحلة في الصحراء ووصف الناقة. ومع هذا التقيد بتقاليد القصيدة في عصره كان له خصوصيته، وكان له تفرده، وأتى بالحكمة، وهو شاب. وقد أشاد الدارسون القدامى بأبيات الحكمة التي تضمنتها معلقته، ونوّهوا بها، وكان له فيها أسلوبه الخاص. يقول هيغل([55]): «الأسلوب هو الإنسان، بحسب قول فرنسي ذائع، والأسلوب بموجب هذا التعريف هو ما به تتكشف شخصية الذات التي تتظاهر في طريقة التعبير عن نفسها، وفي صيغ جملها، أما في رأي السيد فون روموهر فإن كلمة الأسلوب تعني على العكس: تكيفًا متحولًا إلى عادة مع المطالب الباطنة للمادة التي بها ينحت النحات تماثيله، وبها يركب الرسام أشكاله،... وهكذا ينطبق الأسلوب على نمط الأدباء أو التنفيذ الذي يأخذ في اعتباره شروط المواد المستخدمة، وكذلك متطلبات التصميم والتنفيذ، مع مراعاة قوانين هذا الفن المحدد، أو ذاك النابعة من مفهوم الشيء بالذات،... لذا ينطق السيد فون روموهر بالحق حين يقول: إنه لا يجوز سحب القوانين المحددة، لأسلوب بعينه، على الفنون الأخرى...».

وفي الواقع حققت معلقة طرفة المفهومين الاثنين اللذين تحدّث عنهما هيغل. الأول مفهوم الأسلوب هو الإنسان؛ إذ دلت المعلقة على شخصية طرفة في كل أبياتها، وليس فقط في تصريحه بموقفه من الحياة. والثاني مفهوم النمط الخاص بكل فن، فقد حقق طرفة أيضًا في معلقته شرط النمط الخاص بالشعر في العصر الجاهلي، وهو وحدة الوزن والقافية والبدء بالأطلال ووصف ارتحال الأحبة، ثم تصوير الناقة، ثم عرض موضوعه، وهو موقفه من الحياة والمجتمع. ولذلك نال رضا النقاد في عصره، وفي العصور التالية، وعُدّتْ قصيدته من المعلقات، ولقيت من الشرح والدرس ما هو جدير بها، ومع ذلك التقيد بأصول القصيدة العربية، فقد كانت له أيضًا شخصيته المميزة.

وبهذه القدرة المتجلية في المعلقة، وهي القدرة على التقيد بالأصول، وتحقيق الذات الفردية، استطاع طرفة أن يحقق الأصالة، أو بالأحرى استطاع عمله في الملعقة أن يكون عملًا فنيًّا جليلًا. يقول هيغل([56]): «تكمن الأصالة أخيرًا، لا في التقيد بقوانين الأسلوب، بل في الإلهام الذاتي الذي يأبى الانصياع لطريقة معينة، يجري تبنيها دفعة واحدة ونهائية، ويجعل وَكْدَه أن يمسك بموضوع عقلاني في ذاته، وأن يشكله ويصوغه، غير ممتثل لغير صوت ذاتيته الداخلية. وإن تقيد في الوقت نفسه بطبيعة هذا الفن الخاص أو ذاك بمفهومه، وبالمفهوم العام للمثل على حد سواء، ينجم عن ذلك أن الأصالة تختلط بالموضوعية الحقيقية، فهي تقرن بين الجانبين الذاتي والموضوعي للتمثيل، على نحو لا يعود معه أي عنصر في واحدهما غريبًا عن الثاني. وبالفعل تعبر الأصالة من جهة أولى عما هو عفوي، إلى أقصى حدود العفوية، لدى الفنان، ولا تعبر من الجهة الثانية إلا عما هو من صميم طبيعة الموضوع، حيث تظهر أصالة الفنان وكأنها أصالة الموضوع نفسه، وتظاهر لهذا الموضوع، ولنشاط الذات الخلاق في آن معًا».

ولا يغيب عن البال أن طرفة شاعر، وأنه يتعامل مع الحياة بالشعر، ونظم الشعر هو تعامل بالكلمة لا بالدرهم أو الدينار. وهو عمل فيه سمو ورقي، به يواجه الشاعر الحياة، وينتصر عليها. فهو موقف إنساني، وهو جهد بشري، وصناعة، ولكنها ليست صناعة باليد ولا بالحديد، إنما هي صناعة بالعقل والروح والحس والانفعال. وهي صناعة بالكلمة، وهي بذلك جهد إنساني جليل.

إن نظم الشعر هو عمل لغوي راق، وما هو تلاعب بالألفاظ، إنه موقف من اللغة نفسها، ومن المجتمع، والعالم. يقول مارتن هيدجر([57]):«وحيث تكون لغة يكون عالم، أعني ذلك لا عالم المتغير أبدًا، عالم القرارات والمشروعات، والعمل والمسؤولية، وعالم الصخب والعطب والضلال أيضًا. وحيث يكون عالم يكون تاريخ، واللغة قِنْيَة على معنى أكثر أصالة، وكونها القِنية الضامنة لهذا العالم ولهذا التاريخ، معناه أنها تضمن للإنسان أن يكون على نحو تاريخي. اللغة ليست أداة جاهزة، بل بالعكس إنها تلك الحادثة التي تملك بين يديها أعلى إمكانيات الوجود الإنساني، ويجب أولًا أن نكون مستوثقين من هذه الماهية للغة، لكي نفهم حقًّا مجال العمل في الشعر».

ويتكلم هيدجر على أهمية الشعر، مستوحيًا بذلك شعر هلدرلن، فيقول: «الشعر تأسيس بالكلام وفي الكلام، وما الذي يُؤَسَّس؟ هو ما يدوم، إن ما يدوم يجب أن يصار به إلى الثبات في وجه الطوفان الجارف، وأن ينتزع البسيط من المعقد، وأن يفضل التناسب على الفضفاض. ويجب أن يكشف الحجاب عما يسند الوجود، ويسيطر عليه في جملته، يجب أن يرفع اللثام عن الكينونة حتى يتاح للموجود الكائن أن يظهر».

وهكذا يظهر نظم الشعر عملًا نبيًلا، لأنه يكشف عن جوهر الحياة، ويسمي الأشياء لا بأسمائها المعروفة، بل بأسمائها الحقيقة. يقول هديجر أيضًا([58]): «وليست هذه التسمية تزويدًا باسم لشيء كان معروفًا من قبل، وإنما الشاعر، حينما يقول الكلام الأصيل، حينئذ فقط يكون الموجود بهذه التسمية قد سُمّيَ بما هو عليه في كينونته، فيصبح عندئذ معروفًا من حيث هو موجود».

بهذا الفهم لحقيقة الشعر وطبيعته، يتجلى نُبْلُ الشاعر، ويتجلّى جلال الشعر، ومما لا شك فيه أن معلقة طرفة قد حققت هذا الفهم للشعر، في طبيعته ووظيفته، فقد كشف طرفة عن حقيقة الحياة، وهو القائل:




وكأن طرفة قد أراد أن ينهي معلقته بمثل ما أنهى به زهير معلقته، فأوردَ هذه الحِكم، وما هي كالحكم عند زهير، وما هي في الحقيقة حِكَمًا ولا مواعظ، إنما هي نتاج خبرة شاب ممتعض من أسرته وعشيرته ومجتمعه. وقد جاءت حارّة، فيها دفق الشباب وغضبه. وما هي بالمواعظ ولا الحكم، إنما هي رؤى مفتوحة على المستقبل، تستشرف كل ما هو جديد وغير متوقع. وهي لا تخلو من جلال الفكر، وروعة التعبير.

خاتمة

وهكذا يتجلى الجليل في معلقة طرفة، بل يكاد يتسرب في جميع مفاصلها، وإذا هو جليل حسيّ، عبّر عنه من خلال تصوير الإبل المرتحلة وكأنها سفن كبيرة، أو بتصوير الناقة والتفصيل في تصويرها، حتى بدا تصويرها وحده عملًا متكاملًا، ولكنه ليس منفصلًا عن المعلقة، ولا مستقلًّا عنها، بل هو جزء منها لا ينفصل عنها. وظهر الجليل في تشبيهه الإنسان نفسه بالناقة المقيدة بحبل طويل إلى يدي الراعي، يجذبها إليه متى شاء، وما هذا الحبل إلا المنية، سواء بالنسبة إلى الإنسان أو الناقة. وتجلى الجليل أيضًا في مواقفه الجريئة من المجتمع والموت، وهي مواقف حيوية، ترفض التملُّك، بل تنفق المال كله، ولا تبقي منه شيئًا. وقد ظهر طرفة مندفعًا وراء الحياة، يريد أن يعبّ منها قبل أن يدركه الموت. وكان حيويًّا في مواقفه، يجود على قومه، ويغيث الملهوف، ولا ينصاع للعاذلات، بل يقبل على الخمرة، ويشارك الطبيعة خصبها، فيعاشر المرأة في اليوم المطير. وتأكد زهدُه في التملك ورفضه الكسب إقدامه على المقامرة، ورهانه على رجل خاسر، بوضعه القداح في كفه. ولعلّنا لا نتفق معه دينيًّا أو أخلاقيًّا في هذه المواقف، ولكننا ننظر إليها في إطار عصره، وانطلاقًا من شخصيته. والغاية تأكيد قيمة الجلال فيها، باختلافها عن الجبن والبخل والشح. وكانت المعلقة نفسها شكلًا من أشكال الجلال، لأنه انصرف بها إلى الكلمة، وعاف التملك، وحشد فيها موهبته وتجربته، ودلّ على تعلق بالفن والجلال، واستطاع أن يقدم عملًا ضخمًا متنوّعًا، قوي الأسلوب متين البناء.

وقد عبّرت الملعقة عن مبدعها، ولكنها لم تكن مجرد تعبير عن ذاته الضيقة، بل ارتقت للتعبير عن نموذج حيوي، لشاعر شاب مغامر جريء، فيه جلال الإبداع والتحدي، لا جلال الشيوخ والعجائز.

ولقد أكدت المعلقة وحدتها وتماسكها، فهي ذات موضوع واحد، هو الناقة، وإن تضمنت عناصر متنوعة، ولكن العلاقات بين هذه العناصر هي التي تصنع الموضوع، وهي التي تصنع النص، ولا يصنع النص عنصرًا بعينه، وهذا ما حاول البحث أن يقدمه، وهو الكشف عن العلاقات بين عناصر المعلقة. يقول روجيه غارودي([59]): «إن المقولة الأساسية في المنظور البنيوي ليست هي مقولة الكينونة، بل مقولة العلاقة، والأطروحة المركزية للبنيوية هي توكيد أسبقية العلاقة على الكينونة، وأولوية الكل على الأجزاء، فالعنصر لا معنى له ولا قوام إلا بعقدة العلاقات المكونة له، ولا سبيل إلى تعريف الوحدات إلا بعلاقاتها».

هكذا يجب النظر إلى المعلقة، في مشاهدها، وفي مقاطعها، وفي مفاصلها، على أنها وحدة متكاملة، وليست موضوعات متفرقة، ولا أغراضًا شعرية متباعدة، فليس فيها أغراض وموضوعات. ليس فيها كما اعتاد الدراسون أن يقولوا، وقد قسموها إلى أغراض، من وقوف في الأطلال، ووصف ناقة، وفلسفة في الحياة، وعقر ناقة، وحكمة، ليس في المعلقة سوى مشكلة واحدة شغلت طرفة وأقلقته، وهي الإبل.

ملحق البحث
طرفة بن العبد:

شاعر جاهلي([60])، ولد قبل الإسلام نحو عام 538 م 86 ق. هـ. اسمه عمرو، ولقبه طَرَفَة، وهو من بني قيس بن ثعلبة من بني بكر بن وائل، ينتمي إلى أسرة عريقة النسب، فيها كثير من الشعراء، منهم المرقش الأكبر والمرقش الأصغر، وهما من أعمامه، وكان خاله المتلمس شاعرًا. توفي أبوه وهو صغير، فهضمه أعمامُه حقه في الإرث. عاش حياة لهو وعبث، متمردًا على مجتمعه. أنفق أمواله في الخمرة، فنبذه قومه، واضطر إلى العمل راعيًا لإبل أخيه معبد، ولكنه أضاعها، فلجأ إلى ابن عمه مالك، فلم يحظ منه بشيء، فقصد ابن عم له آخر، واسمه عمرو بن مرثد، فمنحه هو وأولاده مئة من الإبل، فعوضه عن الإبل الضائعة. ثم قصد بلاد الشام، واتصل بملك الحيرة عمرو بن هند، فقربه منه، ولكن الحساد أخبروه أن طرفة هجاه، فزوده بكتاب إلى ملك البحرين، يتضمن الأمر بقتله، فقُتل وهو دون الثلاثين من العمر، نحو عام 564م 60 ق. هـ.

الإبل:

الإبل هي المعتمد عليها في الحياة في المجتمع العربي قبل الإسلام، من لبنها يشرب الصبوح والغبوق، وهي تدر له ما يبلغ 40 ليترًا. وهي مطواع، يكفي أن يرضع حوارها من طرف، ليحلبها راعيها من طرف آخر، من غير عنت ولا مشقة، فاللبن يدرّ من ضرعها درًّا، بل يتدفق. ومن لحمها يأكل، ومن وبرها يصنع خيمته، وعليها يرتحل، وحياته قائمة على الارتحال. وتصاحبه ثلاثين أو أربعين عامًا، هو عمرها، ويراها تأكل الأِشواك، وتصبر على العطش في الصيف أسبوعًا كاملًا، وتصبر عليه في الشتاء أشهًرا، وتهتدي إلى الطريق من غير ما عناء. وبجوارها ينام يستدفئ بها من برد الصحراء ليلًا، وإذا ما نام على ظهرها ظلّت واقفة، فلا تقعد، كي لا يقع، وإذا ما حضره الهم والكرب امتطى ظهرها ودخل بها الصحراء، ليسلّيَ نفسه، وليس غريبًا أن يسميها سفينة الصحراء. وهي المال الذي يثمِّره، ويرثه، وهي مهر العروس، بها يدفع ديات القتلى، وبها يفتدي ولده. ومعروفة قصة افتداء عبد المطلب ابنه عبد الله، وكان قد نذر إذا رزق بعشرة من الذكور أن يذبح أحدهم، ووقع السهم على عبد الله، ولكنه افتداه بمئة من الإبل. وعبد الله هذا هو والد محمد نبي الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: أنا ابن الذبيحين، يقصد إسماعيل الذي افتداه الله بذِبْحٍ عظيم، وعبد الله والده، الذي توفي وهو جنين في رحم أمه. وليس يغيب عن الذهن حرب البسوس التي استمرت فيما يُروى أربعين سنة من أجل ناقة للبسوس اسمها سراب، رماها في ضرعها كُلَيْب لأنها اختلطت بإبل له، فأسرع جسّاس إلى كُلَيب فقتله، ونشبت تلك الحرب، ثم كان لا بد من قبول الفدية بالإبل. ومثلها حرب داحس والغبراء، التي جرّت نتائج وخيمة على عبس وذبيان، بسبب سباق بين فرسين، إلى أن افتدى القتلى من الطرفين هَرِم بن سنان والحارث بن عوف. وفي هذا دلالة على ما كان للإبل من مكانة اجتماعية واقتصادية ودينية في المجتمع العربي قبل الإسلام. وقد بلغ حبُّهم الناقة مبلغًا كبيرًا، فهي جزء من حياتهم، وفي بعض الحالات تعقل إلى جوار قبر الميت، وتُحْرَم الطعام والماء كي تموت بموته، وتسمى البَلِيَّة، وقد تدفن في حفرة خاصة إلى جواره([61]).

وليس في المرويات ما يدلُّ على أن العربي عَبَدَ الناقة، ولكن في المرويات ما يدل على تقربهم بها إلى آلهتهم، والنذر بها. ومن ذلك ما يسمى الوصيلة والحامي، وقد أشار المولى عز وجل إلى هذه الظاهرة في العصر الجاهلي، فقال تعالى في محكم التنزيل: «مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) « . وجاء في الكشاف للزمخشري([62]): «كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر، بحروا أذنها، أي شقوها وحرّموا ركوبها، ولا تطرد عن ماء ولا مرعى، وإذا لقيها المُعَيَّي (أي المتعب) لم يركبْها، واسمها البَحِيرة. وكان الرجل يقول: إذا قَدِمْتُ من سفري أو بَرِئْتُ من مرضي فناقتي سائبة، وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها... وإذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم، وإن ولدت ذكراً فهو لآلهتهم. فإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم، وإذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا: من حَمَى ظهرَه، فلا يُركب، ولا يُحْمَل عليه، ولا يُمنع من ماء ولا مرعى».

وللإبل خصائص في الخلق والتكوين تميزها، ومن ذلك([63]) أنها تأكل الأشواك من غير أن تتأذى، والشفة العليا في الإبل مشقوقة، والشفة السفلية متدلّية قليلًا. وهما تعملان معًا كالأصابع في جسم الإنسان لالتقاط المواد الغذائية، والسطح الداخلي للفم مغطًّى بغشاء يحتوي على ندبات مخروطية تتحمل الأشواك. وفي سقف الحلق طبقة مخاطية ناعمة تعمل على ترطيب الفم، وتُعَدّ عاملاً مساعدًا للإبل على عدم شعورها بالعطش لمدة طويلة. وتمتلك الإبل أنيابًا إضافية تميزها من الحيوانات الأخرى المجترة، وهي تخزن الدهون في السنام. وعين الإبل صافية، وحاسة النظر لديها قوية، فهي تستطيع السير في الظلام. والتجويف العظمي الذي توجد فيه العين يعمل كالغرفة المكيفة، إذ يوجد طبقتان من العظام بينهما فراغ مليء بالهواء، وهذا يساعدها على العيش في قلب الصحراء. وعين الجمل مزودة بصفين من الرموش تقيه من العواصف الرملية. وأذناه صغيرتان غزيرتا الشعر، تحميهما من الرمال، وتتميز أذنا الإبل بالقدرة على الانثناء إلى الخلف والالتصاق بالرأس، في حال هبوب العواصف الرملية.

وأرجل الإبل ذات خف إسفنجي يمكنها من السير فوق الرمال، ولا تفقد الإبل الماء من دمها إلا بنسبة ضئيلة، بخلاف باقي الكائنات، لذلك تتحمل العطش. والجمل يرفع درجة حرارة جسمه إلى 41 نهارًا، ولذلك لا يتعرق إلا إذا زادت درجة الحرارة عن 42 مئوية، وعندما يتعرق ينتصب وَبَرُه، فيتبخر العرق مباشرة من الجلد، ولا يبتل وبره. والحرارة المخزنة في جسمه في النهار يفقدها في الليل، ولذلك كان العربي ينام ليلًا بجوار ناقته، ليستدفئ بها من برد الصحراء، وإذا نام الراكب فوق الناقة، فإنها تظل واقفة، ولا تبرك. ويقوم أنف الجمل بتكثيف بخار الماء الخارج مع هواء الزفير، وبذلك يستعيد الماء، ولا يفقده في أثناء تنفسه. ويستطيع شرب الماء المالح، لأن الكلى عنده تخلصه من الأملاح، وهو يشرب سبعين لترًا في ثوان، وقد يشرب الظامئ مئة وخمسين لترًا، ويصبر على العطش في الصيف أسبوعًا، ويصبر عليه في الشتاء ستة أشهر. ولا تتأثر كُرَيّات الدم عنده لأنها بيضاوية، وليست كروية، بخلاف الكائنات الأخرى، وعندما تمتلئ كرياته بالماء تصبح كروية، ولا تنفجر. وهو يحتفظ بالماء في مثانته مادام جسمه بحاجة إلى الماء، فلا يتبول، فيمتص الدم الماء والبول مرة أخرى، ويعيده إلى المعدة لتقوم بكتريا خاصة بتحويل البولينا إلى أحماض أمينية، أي إلى ماء وبروتين؛ ولذلك كان لحم الإبل خاليًا من الشحوم الضارة، ولذلك أيضًا كان بول الإبل نقيًّا، خاليًا من الجراثيم، وبه كان العربي يداوي جروحه. وخُفّ الجمل مخزن للماء، فتعمل أنسجة الخف على حفظ الماء، في صورة سلاسل تلتف كالجديلة، كلما زاد الماء المخزن زاد التفاف الجديلة، والعكس صحيح، وعند الحاجة إلى الماء يقوم الدم بامتصاص الماء من الخف، وتنفك الجديلة.

تلك بعض عجائب خلق الله في الإبل، وكانت مناسبة المناسبةَ كلها للعيش في الصحراء، ولذلك حظيت بتلك المكانة في العصر الجاهلي، وما تزال.

Material suplementario
المصادر والمراجع - القرآن الكريم. - الكتب المطبوعة:
- إبراهيم، زكريا، مشكلة الحب، مكتبة مصر، ط 3، د.ت.
- إبراهيم، زكريا، مشكلة الفن، مكتبة مصر، القاهرة، د.ت.
- ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمد شاكر، دار المدني، جدة، د.ت.
- ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، ط 2، 1968.
- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، د.ت.
- أرسطو، فن الشعر، ترجمة: عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت، ط 2، 1973.
- الأصمعي، كتاب الإبل، تحقيق: حاتم صالح الضامن، دار البشائر، بيروت، 2004.
- برتليمي، جان، بحث في علم الجمال، ترجمة: د. أنور عبد العزيز، مراجعة: د. نظمي لوقا، مؤسسة فرنكلين، القاهرة، نيويورك، ودار نهضة مصر للطباعة، 1970.
- بسطويسي، د. رمضان محمد، علم الجمال لدى مدرسة فرانكفورت، مطبوعات نصوص 9، القاهرة، 1993.
- التبريزي، شرح القصائد العشر، المطبعة السلفية، القاهرة، 1343 هجرية.
- الجاحظ، الحيوان، المكتبة العصرية، صيدا– بيروت، 2015.
- جويو، جان ماري، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، ترجمة: د. سامي الدروبي، دار اليقظة العربية، بيروت، دمشق، ط 2، 1965.
- الحبرتي، علي محمد، الإبل، دار الحبرتي، الخبر، السعودية، د.ت.
- حسين، طه، في الشعر الجاهلي، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1926.
- دافنشي، ليوناردو، نظرية التصوير، ترجمة: عادل السيوى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1999.
- الزمخشري، الكشاف، تحقيق: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، ط 3، 2009.
- الزوزني، شرح المعلقات السبع، دار الفكر، بيروت، ط 3، د.ت.
- سانتيانا، جورج، الإحساس بالجمال، ترجمة: د. محمد مصطفى بدوي، مراجعة: د. زكي نجيب محمود، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، د.ت.
- طرفة بن العبد، ديوان طرفة، شرح الأعلم الشنتمري، تحقيق: درية الخطيب، ولطفي الصقال، إدارة الثقافة والفنون، البحرين، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 2، 2000.
- غارودي، روجيه، البنيوية، فلسفة موت الإنسان، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، ط 3، 1985.
- الغلاييني، مصطفى، رجال المعلقات العشر، المكتبة العصرية، صيدا- بيروت، 1998.
- فروم، إريك، الإنسان بين الجوهر والمظهر، ترجمة: سعد زهران، مراجعة: لطفي فطيم، عالم المعرفة، العدد 140، أغسطس آب، 1989.
- كانط، إيمانويل، نقد ملكة الحكم، ترجمة: سعيد الغامدي، كلمة ومنشورات الجمل، بيروت، 2009.
- مطر، د. أميرة حلمي، فلسفة الجمال: أعلامها ومذاهبها، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002.
- مكاوي، عبد الغفار، قصيدة وصورة، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 119، تشرين الثاني، 1978.
- نوكس. إ، النظريات الجمالية: كانط، هيجل، شوبنهاور، ترجمة: د. محمد شفيق شيا، منشورات بحسون الثقافية، بيروت، 1985.
- هوراس، فن الشعر، ترجمة: د. لويس عوض، الهيئة المصرية العامة، القاهرة، ط 2، 1970.
- هيدجر، مارتن، في الفلسفة والشعر، ترجمة: د. عثمان أمين، الدار القومية للطباعة، 1963.
- هيغل، فكرة الجمال، دار الطليعة، بيروت، 1978، ج 2.
- هيغل، فن الشعر، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، 1981، ج1.
- وارين، أورستن، ويليك، رينيه، نظرية الأدب، ترجمة: محيي الدين صبحي، مراجعة: د. حسام الخطيب، المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون، دمشق، 1972.
المواقع الإلكترونية:
https://ar.wikipedia.org/wiki
https://www.spa.gov.sa/1894197
Notas
Notas
([1]) سانتيانا، جورج، الإحساس بالجمال، ترجمة: د. محمد مصطفى بدوي، مراجعة: د. زكي نجيب محمود، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، د.ت، ص 259.
([2]) سيكتفي البحث بالإشارة مرة واحدة هنا فقط إلى مصدر الشواهد المقبوسة من معلقة طرفة، ولن تتكرر الإشارة إلى مصدر المقبوسات من المعلقة، حتى لا يثقل البحث بالحواشي:

- طرفة بن العبد، ديوان طرفة، شرح الأعلم الشنتمري، تحقيق: درية الخطيب، ولطفي الصقال، إدارة الثقافة والفنون، البحرين، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 2، 2000، ص 23 وما بعدها.

- الزوزني، شرح المعلقات السبع، دار الفكر، بيروت، ط3، د.ت، ص 60، وما بعدها.

- التبريزي، شرح القصائد العشر، المطبعة السلفية، القاهرة، 1343 هجرية، ص 56 وما بعدها.

([3]) هيدجر، مارتن، في الفلسفة والشعر، ترجمة: د. عثمان أمين، الدار القومية للطباعة، 1963، ص 100.
([4]) نوكس. إ، النظريات الجمالية: كانط، هيجل، شوبنهاور، ترجمة: د. محمد شفيق شيا، منشورات بحسون الثقافية، بيروت، 1985، ص 79.
([5]) سانتيانا، جورج، الإحساس بالجمال، ص 257.
([6]) مطر، د. أميرة حلمي، فلسفة الجمال: أعلامها ومذاهبها، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002، ص 108.
([7]) المرجع السابق، ص 108.
([8]) أرسطو، فن الشعر، ترجمة: عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت، ط 2، 1973، ص 4-5.
([9]) المرجع السابق، ص 71.
([10]) هوراس، فن الشعر، ترجمة: د. لويس عوض، الهيئة المصرية العامة، القاهرة، ط 2، 1970، ص 108.
([11]) ينظر: مكاوي، عبد الغفار، قصيدة وصورة، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 119، تشرين الثاني، 1978، ص 13.
([12]) دافنشي، ليوناردو، نظرية التصوير، ترجمة: عادل السيوى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1999، ص 59.
([13]) الجاحظ، الحيوان، المكتبة العصرية، صيدا- بيروت، 2015، المجلد 2 جزء 3 ص75.
([14]) بسطويسي، د. رمضان محمد، علم الجمال لدى مدرسة فرانكفورت، مطبوعات نصوص 9، القاهرة، 1993، ص 24.
[15]) هيغل، فن الشعر، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، 1981، ج1، ص 62.
[16]) العبارة هكذا في الأصل، وأظن أن هناك نقصًا فيها. وعلى كل حال فالمعنى أن التظاهرات أو التجليات ظواهر فردية متميزة، ومن خلال شكلها الخارجي ندرك الجوهر والماهية والمضمون.
([17]) المرجع السابق، ص 61.
([18]) إبراهيم، زكريا، مشكلة الفن، مكتبة مصر، القاهرة، د.ت، ص 238.
([19]) المرجع السابق، ص 240-241.
([20]) كانط، إيمانويل، نقد ملكة الحكم، ترجمة: سعيد الغامدي، كلمة ومنشورات الجمل، بيروت، 2009، ص 182.
([21]) برتليمي، جان، بحث في علم الجمال، ترجمة: د. أنور عبد العزيز، مراجعة: د. نظمي لوقا، مؤسسة فرنكلين، القاهرة، نيويورك، ودار نهضة مصر للطباعة، 1970، ص 73.
([22]) كانط، إيمانويل، نقد ملكة الحكم، ص 70.
([23]) المرجع السابق، ص 183.
([24]) هيغل، فكرة الجمال، دار الطليعة، بيروت، 1978، ج2، ص 128.
([25]) سانتيانا، جورج، الإحساس بالجمال، ص 211.
([26]) المرجع السابق، ص 125.
([27]) المرجع السابق، ص 255.
([28]) حسين، طه، في الشعر الجاهلي، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1926، ص 174-175.
([29]) ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، د.ت، مادة عقر.
([30]) التبريزي، شرح القصائد العشر، ص 13 وما بعدها.
([31]) سانتيانا، جورج، الإحساس بالجمال، ص 205-206.
([32]) إبراهيم، زكريا، مشكلة الحب، مكتبة مصر، ط3، د.ت، ص 70.
([33]) وارين، أوستن، ويليك، رينيه، نظرية الأدب، ترجمة: محيي الدين صبحي، مراجعة: د. حسام الخطيب، المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون، دمشق، 1972، ص 102.
([34]) هيدجر، مارتن، في الفلسفة والشعر، ص 80.
([35]) سانتيانا، جورج، الإحساس بالجمال، ص 256.
([36]) التبريزي، شرح القصائد العشر، ص 112.
([37]) المصدر السابق، ص 122.
([38]) المصدر السابق، ص 37.
([39]) المصدر السابق، ص 177.
([40]) سانتيانا، جورج، الإحساس بالجمال، ص 256.
([41]) المرجع السابق، ص 259.
([42]) كانط، إيمانويل، نقد ملكة الحكم، ص 185.
([43]) المرجع السابق، ص 187.
([44]) المرجع السابق، ص 188.
([45]) سانتيانا. جورج، الإحساس بالجمال، ص 255.
([46]) البيت الثاني من الشعر المنسوب إلى طرفة، ولم يرد في المعلقة، ينظر: طرفة بن العبد، ديوان طرفة، شرح الأعلم الشنتمري، المقطوعة رقم 40، ص 152.
([47]) جويو، جان ماري، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، ترجمة: د. سامي الدروبي، دار اليقظة العربية، بيروت، دمشق، ط 2، 1965، ص 60.
([48]) نوكس، إ، النظريات الجمالية: كانط، هيجل، شوبنهاور، ص 84.
([49]) كانط، إيمانويل، نقد ملكة الحكم، ص 211.
([50]) فروم، إريك، الإنسان بين الجوهر والمظهر، ترجمة: سعد زهران، مراجعة: لطفي فطيم، عالم المعرفة، العدد 140، أغسطس آب، 1989، ص 43-44.
([51]) سانتيانا، جورج، الإحساس بالجمال، ص 251.
[52]) المرجع السابق، ص 256.
([53]) ينظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة: قدح.
([54]) في الأبيات المنسوبة إلى طرفة قصيدة في اثنين وعشرين بيتًا يكرر معظم أبياتها معاني المعلقة أو يوسعها. ينظر: ديوان طرفة، شرح الأعلم الشنتمري، ص 151، الأبيات المنسوبة إلى طرفة.
([55]) هيغل، فكرة الجمال، ص 209-210.
([56]) المرجع السابق، ج 2، ص 312.
([57]) هيدجر، مارتن، في الفلسفة والشعر، ص 86.
([58]) المرجع السابق، ص 92.
([59]) غارودي، روجيه، البنيوية، فلسفة موت الإنسان، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، ط3، 1985، ص 13.
([60]) ينظر في أخباره وسيرة حياته:

- ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، ط 2، 1968، ص 185-196.

- ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمد شاكر، دار المدني، جدة، د.ت. ص 137-138.

- الغلاييني، مصطفى، رجال المعلقات العشر، المكتبة العصرية، صيدا- بيروت، 1998، ص 109-127.

([61]) ينظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة: بلا، ومادة: عكس.
([62]) الزمخشري، الكشاف، تحقيق: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، ط3، 2009، ص 362.
([63]) المعلومات العلمية مستمدة من كتابي: الحبرتي، علي محمد، الإبل، دار الحبرتي، الخبر، السعودية، د.ت. والأصمعي، كتاب الإبل، تحقيق: حاتم صالح الضامن، دار البشائر، بيروت، 2004. ومن موقعين رقميين هما:



















































Buscar:
Contexto
Descargar
Todas
Imágenes
Modelo de publicación sin fines de lucro para conservar la naturaleza académica y abierta de la comunicación científica
Visor móvil generado a partir de XML-JATS4R