Secciones
Referencias
Resumen
Servicios
Descargas
HTML
ePub
PDF
Buscar
Fuente


التأصيل لأفعال الكلام في التراث العربي القديم
Al-Andalus Magreb, no. 25, pp. 1-31, 2018
Universidad de Cádiz

Artículos

Al-Andalus Magreb
Universidad de Cádiz, España
ISSN-e: 2660-7697
Periodicity: Anual
no. 25, 2018

ملخص: يهدف هذا المقال إلى التأصيل لأفعال الكلام في التراث العربي، والتي درست ضمن مباحث علم المعاني -الخبر والإنشاء- من طرف النحويين، والبلاغيين، وعلماء الأصول. وبيان أن هذه الدراسات كانت تداولية ركزت على المعاني الأصول وخروجها إلى معان فروع بحسب السياقات ومقاصد المتكلمين؛ وهو ما بات يعرف في نظرية أفعال الكلام بالقوى الإنجازية الحرفية والقوى الإنجازية غير الحرفية.

الكلمات المفتاحية: أفعال الكلام, التراث العربي, علم المعاني, الخبر والإنشاء, النحويون البلاغيون, الأصوليون, القوى الإنجازية الحرفية, القوى الإنجازية غير الحرفية.

Resumen: El objetivo de este artículo es de estudiar los fundamentos que guían los “actos de habla” en el patrimonio lingüístico árabe. Estos actos del habla fueron estudiados dentro de la llamada “ciencia de los significados” por gramáticos, retóricos y juristas, en estudios que se distinguieron por su carácter pragmático, pues se centraron en los significados literales y no literales dependiendo de los contextos y las intenciones de los oradores. Esto es lo que se denomina, en la teoría de los actos del habla, fuerza elocutoria literal y fuerza no literal.

Palabras clave: Actos del habla, Patrimonio lingüístico árabe, Ciencia de los significados, Gramáticos, Retóricos, Juristas, Fuerza elocutoria literal, Fuerza elocutoria no literal.

Abstract: The objective of this article is to authentify speech acts, in the Arabic traditional heritage, studied in the field of “science of meanings” by grammarians, rhetoricians and jurists; and to show that these studies were pragmatic in the sense that they emphasized literal meanings and non-literal meanings depending on contexts and speakers’ intentions. And this is what is called in the theory of speech acts literal illocutionary forces and non-literal illocutionary forces

Keywords: Speech acts, Arabic heritage, Science of meanings, Grammarians, Rhetoricians, Jurists, Literal illocutionary forces, Non-literal illocutionary forces.

الخبر والإنشاء:

تندرج الأفعال الكلامية في التراث العربي ضمن مباحث ”علم المعاني“ وتتحدد ضمن الظاهرة الأسلوبية الموسومة ”بالخبر والإنشاء“ أو ”الطلب“؛ وقد اهتم بدراسة هذه الظاهرة النحاة والبلاغيون والأصوليون. كما انفرد الفلاسفة والمناطقة بدراسة الخبر بعد أن ميزوه عن الإنشاء، وبينوا حدود كل منهما. ومرت نظرية ”الخبر والإنشاء“ بمراحل انتقلت فيها من آراء وملاحظات متفرقة إلى أصول ناضجة ومباحث مؤسسة بعد أن خضعت مصطلحاتها لبحوث مستفيضة وآراء مختلفة ليستقر في الأخير جهازها المصطلحي والمفاهيمي. فعلى أي أساس تمّ التمييز بين الأسلوبين؟

إنّ أول المعايير التي اعتمدها العلماء القدماء للتمييز بين الأسلوبين هو معيار الصدق والكذب. فإذا كان الكلام هو ”كل لفظ مستقل بنفسه مفيد لمعناه“([1])، فإن ابن سينا (ت 428 هـ) يقسمه إلى خبر وطلب. و”الخبر أو القضية هو الذي يصلح أن يصدق أو يكذب، وبعض ذلك ليس قضية [...] كالتركيب الذي في الدعاء، والمسألة، والأمر، والنهي، والنداء“([2]). ويعضد هذا الكلام التعريف الذي أورده نجم الدين الكاتبي القزويني (ت 493 هـ) ”الكلام التام إن احتمل الصدق والكذب فهو الخبر والقضية وإن لم يحتمل فهو الإنشاء“([3]).

وإن كان السكاكي (ت 626 هـ) يعتقد أن لا حاجة للتعريف الحدي للخبر والطلب إلا أنه يعرفهما بلوازمهما فـ ”الخبر هو الكلام المحتمل للصدق والكذب، أو التصديق والتكذيب، [...] [أو] هو القول المقتضي بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي أو الإثبات“([4]) والطلب هو ما ”يستدعي مطلوباً لا محالة، ويستدعي، فيما هو مطلوبه أن لا يكون حاصلا وقت الطلب“([5]) ويؤِكد السكاكي ”أن الخبر والطلب بعد افتراقهما بحقيقتهما يفترقان باللازم المشهور، وهو احتمال الصدق والكذب“([6])؛ فالخبر إذا هو الكلام التام المفيد الذي يقبل الصدق والكذب، والإنشاء أيضا هو الكلام المفيد التام ولكنه لا يقبل صدقا ولا كذبا.

ويذكر السيوطي (ت 911 هـ) عدة أقوال في أقسام الكلام وإن أكد على انحصاره في الخبر والإنشاء ومنها أن الكلام ”خبر، وطلب، وإنشاء [...] لأن الكلام إما أن يحتمل التصديق أو التكذيب أولا. الأول الخبر. والثاني إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء، وإن لم يقترن بل تأخر عنه فهو الطلب. والمحققون على دخول الطلب في الإنشاء وأن معنى اضرب مثلا هو طلب الضرب مقترن بلفظه، وأما الضرب الذي يوجد بعد ذلك فهو متعلق الطلب لا نفسه“([7])، فهذا التعريف جعل الإنشاء قسيما للطلب وقرينا له في مخالفتهما للخبر.

غير أن الخطيب القزويني (ت 793 هـ) يقسم الكلام إلى خبر وإنشاء. ويقسم الإنشاء إلى ضربين: طلب وغير طلب. ”والطلب يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب؛ لامتناع تحصيل الحاصل وهو المقصود بالنظر“([8])، ويشمل الإنشاء الطلبي: الأمر، والنهي، والاستفهام، والنداء، والتمني. ويشمل الإنشاء غير الطلبي: الترجي، والقسم، والمدح، والذم، والتعجب، وصيغ العقود. وتعتبر هذه الأساليب الخبرية والإنشائية أفعالا كلامية إنجازية بتعبير أوستين([9]) وسورل([10]) والتداوليين عموما.

ومن العلماء من سعى إلى تحديد كليهما اعتمادا على معيار مطابقة النسبة الخارجية. يقول القزويني إن الكلام ”إما خبر أو إنشاء؛ لأنه إما أن يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه، أو لا يكون لها خارج. الأول الخبر، والثاني الإنشاء“([11]). وقد نحا ابن خلدون (ت 808 هـ) المنحى نفسه لما قسم الجمل الإسنادية إلى جمل خبرية وإنشائية، وذهب إلى أن ”الجمل الإسنادية تكون خبرية وهي التي لها خارج تطابقه أولا، وإنشائية، وهي التي لا خارج لها كالطلب وأنواعه“([12]).

فالخبر، إذن، ما كان له واقع يطابقه أو لا يطابقه، فإن طابقه فهو صادق، وإن لم يطابقه فهو كاذب. أما الإنشاء فليس له واقع يطابقه أو لا يطابقه. ولا يوصف بصدق ولا كذب.

ومن المعايير التي يتميز بها الخبر عن الإنشاء أن الخبر له نسبتان نسبة كلامية ونسبة خارجية عكس الإنشاء الذي ليست له نسبة خارجية قبل زمن التلفظ به وله نسبة واحدة هي النسبة الكلامية. ”الإنشاء ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام والخبر خلافه. و[...] الكلام إن أفاد بالوضع طلبا فلا يخلو أن يكون بطلب ذكر الماهية أو تحصيلها أو الكفّ عنها، والأول الاستفهام، والثاني الأمر، والثالث النهي وإن لم يفد طلبا بالوضع، فإن لم يحتمل الصدق والكذب سمي تنبيها وإنشاء لأنك نبهت به عن مقصودك وأنشأته، أي ابتكرته من غير أن يكون موجودا في الخارج سواء أفاد طلبا باللازم كالتمني والترجي والنداء والقسم أم لا كأنت طالق وإن احتملهما من حيث هو فهو خبر“([13]). فالنسبة الخارجية للإنشاء يوجدها الإنشاء نفسه.

فالإنشاء موجد دون الخبر والخبر واصف دون الإنشاء؛ لأن نسبته الخارجية موجودة قبل التلفظ ولا يؤثر في وقوعها. أما الإنشاء فليس له حقيقة مرجعية في الواقع الخارجي بل له نسبة لغوية تتسبب في نشوء نسبة ثانية تكون نتيجتها إنجاز فعل ما بتعبير أوستين([14]).

ومن العلماء من أدخل قرينة القصد للتمييز بين الأسلوبين لأن التصور المنطقي وحده غير كاف. فقصد المتكلم منحى تداوليا مهما للتفريق بين الخبر والإنشاء. فقد ذهب إبراهيم الشيرازي (ت 476 هـ) إلى أن الكلام ”يصير خبرا إذا انضم إلى اللفظ قصد المتكلم الإخبار به“([15])، فبالإضافة إلى اللفظ الدال بالوضع على الخبر يعد قصد المتكلم وغرضه من الخطاب قرينة أساسية للحكم على خبرية الجملة أو إنشائيتها إذا كان قصد المتكلم غير الإخبار.

يقول مسعود صحراوي إن ”آخر ما استقرت عليه البلاغة العربية في مراحل نضجها هو التصور الذي يميز بين الأسلوبين بمعيار «القصد»، ومعيار «إيجاد النسبة الخارجية»، و[...] أن الأول من هذين المعيارين معيار تداولي والثاني منهما معيار منطقي“([16]). ويخلص بتصور مفاده أن الخبر ”هو الخطاب التواصلي المكتمل إفاديا والذي يريد المتكلم من نسبته الكلامية أن تطابق نسبته الخارجية، وأن الإنشاء هو الخطاب التواصلي المكتمل إفاديا والذي يريد المتكلم من نسبته الكلامية أن توجد نسبته الخارجية“([17]).

ويثمن محمود أحمد نحلة جهود العلماء العرب في دراسة الظاهرة ويذهب إلى أن ”منطلق التفكير في هذه النظرية عند أوستين وعند علمائنا واحد، فهم لم يقصروا الكلام [...] على ما له واقع إذا طابقه كان صادقا، وإذا لم يطابقه كان كاذبا بل تجاوزوا ذلك إلى ما سعى أوستين جاهدا لإثباته وعدّه فلاسفة اللغة الغربيون إنجازا كبيرا، وهو أن من الكلام ما لا واقع له يطابقه أو لا يطابقه، ولا يوصف بصدق ولا كذب، ووصلوا إلى الفكرة المحورية التي كانت المنطلق إلى وضع هذه النظرية، وهي أن من الكلام ما يكون فعلا أو إيقاعا لفعل بلفظ يقارنه في الوجود“([18]).

وهذا ما سأقف عنده عند تناول الظاهرة عند النحويين، والبلاغيين، والأصوليين.

1- المقاربة النحوية:

تصدى النحاة العرب القدماء لدراسة جملة من الظواهر النحوية، والصرفية، والصوتية ضمن أبواب كثيرة ومباحث متعددة؛ فكيف كانت هذه الدراسة؟ هل كانت دراسة شكلية بنيوية خالصة؟ أم دراسة سياقية تداولية؟

من الباحثين من ذهب إلى أن الدراسات النحوية العربية كانت دراسات شكلية ”اتسمت بسمة الاتجاه إلى المبنى أساسا ولم يكن قصدها إلى المعنى إلا تبعا لذلك وعلى استحياء“([19]). فالاهتمام كان منصبا على المعنى النحوي أساسا أما المعنى المقامي فكان يؤتى به لتفسير اللفظ؛ لذلك كان احتفاؤهم بالصيغة أكثر من احتفائهم بمعناها، لأن ”الجانب التحليلي من دراسة النحو لا يمس معنى الجملة في عمومه لا من الناحية الوظيفية العامة كالإثبات، والنفي والشرط والتأكيد والاستفهام والتمني [...]. ولا من ناحية الدلالة الاجتماعية التي تنبني على اعتبار المقام في تحديد المعنى. فدراستهم للنحو كانت دراسة تحليلية لا تركيبية أي أنها كانت تعنى بمكونات التركيب أي بالأجزاء التحليلية فيه أكثر من عنايتها بالتركيب نفسه“([20]). فعلى قول تمام حسان النحاة القدماء لم يتفطنوا إلى طبيعة التعارض الممكن حدوثه بين النظام ومطالب السياق، ولم يدركوا أن السياق يفرض عناصر جديدة من المكونات التحليلية تعتبر حلولا لما قد يكون من تضارب بين السياق وبين النظام([21]).

ومن الباحثين من ذهب إلى أنّ نحوهم لم يكن شكليا خالصا. لأنهم درسوا أغراض الأساليب ومقاصدها، وملابسات الخطاب ودلالته، ولم يفصلوا بين المبنى والمعنى، واعتبروا الإعراب فرع المعنى. ودرسوا اللغة دراسة وظيفية تداولية تناولوا فيها وجه الربط بين الخصائص الصورية للعبارات اللغوية وخصائصها التداولية([22]).

ولعّل القول الراجح هو ضرورة التمييز بين نوعين من الدراسات النحوية. فبالنظر إلى العصور التي ينتمي إليها النحاة يمكن تصنيفهم إلى فريقين: متقدمين ومتأخرين. ولكل فريق مواصفاته الناجمة عن اختلاف المشارب والتوجهات التي انعكست على آليات الوصف، وأنماط التحليل، وطرق التأليف؛ ”فريق يصدر في أوصافه عن اقتناعه بأن بنية العبارة اللغوية تعكس حمولتها الدلالية والأغراض الكلامية التي تحققها في الطبقات المقامية المختلفة، وفي مقدمة هذا الفريق سيبويه وابن هشام“([23])، وفريق ثان أقصى العناصر المقامية من آلياته الوصفية، وانصبت تحليلاته على البنية التركيبية للجملة أو النص، ويمثله الزمخشري في ”مفصله“، وابن مالك في ”ألفيته“، و”الشراح المتأخرون“([24]). وتجدر الإشارة إلى أنّ النحاة تتفاوت درجاتهم في الأخذ بالعنصر المقامي باعتباره يشكل جزءا من القاعدة اللغوية. فعلى سبيل المثال ”إذا كان سيبويه يكتفي بإعطاء أوصاف تقريبية للعناصر المقامية، فإن ابن هشام يتوسل بمفاهيم محددة، وجهاز واصف كفيل برصد المسائل والظواهر التي يروم مقاربتها“([25]). فها هو ذا ابن هشام (ت 761 هـ) ينصح المعرب أن يفهم معنى ما يعربه مفردا ومركبا حتى لا يقع في الوهم، ويستدل بأمثلة أخطأ فيها المعربون لأنهم راعوا ”ما يقتضيه ظاهر الصناعة“([26]) ولم يراعوا المعنى. ويقول في مثل هذه الأمثلة المشكلة: ”متى بُني فيها على ظاهر اللفظ ولم ينظر في موجب المعنى حصل الفساد“([27]).

وصنّف النحاة الجمل أسلوبيا إما خبرية أو إنشائية. فكون الجمل خبرية أو إنشائية يؤثر في طبيعة تركيبها، وفي قواعدها، وفي تحليلها نحويا ولاسيما إذا اتخذت أدوارا وظيفية حسب المقامات التي ترد فيها. فالدراسة النحوية للأفعال الكلامية –الخبر والإنشاء- تنزع إلى الاهتمام بالصيغ الشكلية، وبالعبارات اللغوية التي تؤدي هذه الأفعال سواء أكانت إخبارا، أم استفهاما، أم أمرا، أم نهيا، أم نداء؛ وبالعمليات التركيبية التي تخضع لها هذه العبارات من تقديم وتأخير، وحذف، ووصل وفصل دون إغفال علاقة هذه الأفعال بعضها ببعض؛ لأن بعض النحاة لم يقفوا عند البنية الخارجية أو الصيغة الشكلية بل تجشموا مشقة التنقيب عن المعاني والتفسيرات الثاوية خلف التراكيب والصيغ التي غالبا ما تخرج عن معناها الأصلي والمباشر إلى معان ضمنية وغير مباشرة يفسرها المقام التي وردت فيه. وبعبارة أخرى فهؤلاء درسوا القوى الإنجازية الحرفية للأفعال الكلامية مقرونة بصيغها المتعارف عليها، كما درسوا القوى الإنجازية المستلزمة مقاميا وفي طبقات تواصلية معينة. فكثير من المعاني أي الأفعال اللغوية ليست حادثة عن الصيغة اللغوية التي تنجز فيها إنما هي مقامية الأصل، تداولية النشأة -كما سنرى من خلال الأمثلة التي ساقها النحاة. فــ”ـالحديث عن المعاني الفروع بدأ في مؤلفات النحاة غير منفصل عن المعاني الأصول، وذلك قبل أن يصبح مبحثا خاصا من مباحث علم المعاني“([28])، وهذا دليل على أن نحوهم لم يكن منفصلا عن أصول الاستعمال وقواعده. فقد ”أدرك النحاة بعد أن اختبروا بنية الجملة العربية أن الأصل فيها أن يتفق لفظها مع معناها، فتكون خبرية لفظا ومعنى أو إنشائية لفظا ومعنى، بيد أن هذا الأصل خولف في الاستعمال؛ ومن ثم قالوا بجملة خبرية لفظا إنشائية معنى، وبجملة إنشائية لفظا خبرية معنى، وبهذا الأصل حددّ البلاغيون معاني الخبر والإنشاء، ورأوا أن خروج الكلام عن أصله يكون لمعنى، فالأصل في الأمر مثلا هو طلب الفعل على وجه الاستعلاء، ولكن قد يجيء لمعان أخرى مثل الدعاء والتحذير والتسوية والتهديد [...] وأن قرائن الأحوال هي التي ترجح معنى على آخر“([29]). وهذا ما سأتطرق إليه من خلال دراسة بعض الأساليب.

الخبـر:

من الظواهر اللغوية التي تصدى لها النحاة خروج الخبر عن معناه الأصلي إلى معان أخرى يقتضيها المقام. فقد يخرج الخبر إلى الأمر، والعرض، والدعاء. ومن أمثلة خروج الخبر إلى الأمر ما ذكره ابن هشام (ت 761 هـ) في قول العرب: ”اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه“ بالجزم فوجهه أن اتقى الله وفعل. وإن كانا فعلين ماضيين ظاهرهما الخبر إلا أن المراد بهما الطلب والمعنى ”ليتق الله امرِؤ وليفعل خيرا“([30])، ويستشهد بقوله تعالى: ﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذِلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ([31])، فجزم ”يغفر“ لأنه جواب لقوله تعالى: ”تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون“ لكونه في معنى ”آمنوا وجاهدوا، وليس جوابا للاستفهام، لأن غفران الذنوب لا يتسبب عن نفس الدلالة، بل عن الإيمان والجهاد“([32]).

ويقول ابن يعيش (ت 643 هـ) ”ما كان في معنى الأمر والنهي إذا أجيب يكون مجزوما لأن العلة في جزم جواب الأمر إنما كانت من جهة المعنى لا من جهة اللفظ. وإذا كانت من جهة المعنى لزم في كل مكان معناه معنى الأمر، ومعنى اتقى الله ليتق الله وليفعل خيرا فليس المراد الإخبار، وإنما يقوله مثلا الواعظ حاثا على التقى والعمل الصالح، ويُقدّر بعده حرف الشرط كما كان يقدر بعد الأمر الصريح“([33]).

ومن أمثلة خروج الخبر إلى الدعاء قولهم ”رحمه الله لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر“([34]). وعلّل المبرد (ت 286 هـ) تحقق معنى الدعاء والقسم بلفظ الخبر قائلا: ”علم السامع أنك لا تخبر عن الله عزّ وجلّ وإنما تسأله. كما أنّ قولك علم الله «لأقومنّ» إنّما لفظه لفظ رزق الله «ومعناه القسم» لأنك في قولك مستشهد“([35]). فعدد من المعاني إذا ليست حادثة عن الصيغة اللغوية التي تنجز فيها وإنما هي مقامية الأصل. والمقام الذي تستعمل فيه الصيغة اللغوية هو الذي يفسر سبب الانتقال من معنى إلى معنى آخر، كانتقال الخبر إلى الدعاء. ويقول المبرد أيضا ”قد يدخل المعنى في اللفظ ولا يدخل في نظيره، ضمن ذلك قولهم «علم الله لأفعلن» لفظه لفظ «رزق الله» ومعناه القسم. ومن ذلك قولهم «غفر الله لزيد» لفظه لفظ الخبر ومعناه الدعاء“([36]). فالانتقال من الخبر إلى الدعاء راجع إلى كون المخاطب لا يستطيع أن يعلم ما يعلم الله ولا أن يشاركه في مشيئته. وخروج الطلب إلى الدعاء راجع إلى منزلة المطلوب منه.

ويؤكد المبرد أنَ ”كل ما لزمه شيء على معنى لم يتصرف، لأنه إن تصرف بطل ذلك المعنى وصار بمنزلة الأفعال التي تجري على أصولها ولم يدخلها من المعنى أكثر من ذلك“([37]).

ففي الأمثلة التي ساقها المبرد:

  1. - ما أحسن زيدا ! لفظه لفظ شيء أحسن زيد معناه التعجب

    - علم الله لفظه لفظ رزق الله معناه القسم

    - غفر الله لزيد لفظه لفظ الخبر معناه الدعاء

وهذه الأمثلة هي بمنزلة الجملة الخبرية لكنها خرجت إلى معنى التعجب، والقسم والدعاء. ولو تصرفت هذه الجمل وحولت إلى:

  1. - ما يحسن زيدا

    - علم الخليفة

    - غفر القاضي للمذنب

لم يبق فيها من التعجب، والقسم، والدعاء وعادت إلى الأخبار. وكأن المبرد هنا يشير إلى ظاهرة لغوية أُطلق عليها ظاهرة ”التحجر“. فقد ”يحصل عبر التطور اللغوي أن يتغير وضعا القوتين الحرفية والمستلزمة بحيث تصبح القوة الثانية تعدل أو تفوق أهمية بالنظر إلى دلالة العبارة، القوة الأولى“([38]). ففي حالة التحجر، إذن، تصبح القوة المستلزمة مع التداول قوة حرفية ثانية. وفي بعض الحالات تختفي القوة الإنجازية الحرفية الأولى وتكاد تكون القوة الإنجازية المستلزمة القوة الحرفية الوحيدة، كما في الاستفهامات المنفية التي تؤول إلى أخبار مثبتة مثل: ”ألم أنذرك؟“ بمعنى لقد أنذرتك.

وحسب المتوكل فإن التحجر يتم في مرحلتين:

- تفقد القوة الإنجازية المستلزمة سمتها بالتدريج عبر التطور اللغوي حيث تصبح معنى معمما يواكب التركيب المعني بالأمر في جميع مقامات إنجازه، ويصبح بذلك قوة إنجازية حرفية لا يقل أهمية عن القوة الإنجازية الحرفية الأصل.

- قد يقف مسلسل التحجر عند هذه المرحلة، مرحلة توارد قوتين إنجازيتين على التركيب الواحد، إحداهما قوة حرفية أصلية والثانية قوة مستلزمة اكتسبت عبر الاستعمال وضع القوة الحرفية. وقد يستمر التحجر فيبلغ منتهاه بحيث يصبح وجود القوة الحرفية الأصلية شبه منعدم وتنفرد بذلك القوة المستلزمة بتشكيل القوة الإنجازية للعبارة([39]). فتحجر القوة المستلزمة إما أن يكون جزئيا أو تاما مثل صيغ التعجب التي تجمدت وأصبحت غير متصرفة لاختصاصها بمعنى التعجب.

الأمـر:

للأمر صيغة قائمة الذات في العربية على وزن ”افعل“ تؤاسرها صيغة أخرى وهي لام الأمر الداخلة على فعل مضارع ”لتفعل“ وتعمل اللام في الفعل ظاهرة ومضمرة. كما أن فعل الأمر يؤدى بصيغة اسم الفعل: صه، مه.... يقول ابن يعيش ”اعلم أن الأمر معناه طلب الفعل بصيغة مخصوصة وله ولصيغته أسماء بحسب إضافاته فإن كان من الأعلى إلى من دونه قيل له أمر وإن كان من النظير إلى النظير قيل له طلب، وإن كان من الأدنى إلى الأعلى قيل له دعاء“([40]).

فللأمر إذا استعمال أصلي، واستعمالات فرعية منها الطلب والدعاء. فالأمر والدعاء والطلب من قبيل الأفعال الحاصلة على اختلاف منزلة المتكلم بالنسبة إلى المخاطب وعلاقة أحدهما بالآخر، وهو الأمر الذي نبه عليه النحاة العرب الذين أفردوا لكل معنى اسما خاصا رغم اشتراك هذه المعاني في الصيغة اللغوية التي تتحقق بها.

والمبرد من جهته يركز على جانب المعنى للتمييز بين هذه الأفعال الكلامية يقول: ”والدعاء يجري مجرى الأمر والنهي، إنما سمي هذا أمرا ونهيا وقيل للآخر طلب للمعنى. فأما اللفظ فواحد، وذلك قولك في الطلب «اللهم اغفر لي»، و«لا يقطع الله يد زيد»، و«ليغفر لخالد»، فإنما تقول سألت الله ولا تقول أمرت الله، وكذلك لو قلت للخليفة «انظر في أمري» و«أنصفني»، لقلت «سألته» ولم تقل «أمرته»“([41]). ويبرر سيبويه (ت 180 ه) العدول عن استعمال لفظ الأمر والنهي إلى الدعاء بقوله: ”واعلم أن الدعاء بمنزلة الأمر والنهي، وإنما قيل: «دعاء» لأنه استعظم أن يقال أمر ونهي، وذلك قوله: اللهم زيدا فاغفر له، وزيدا فأصلح شأنه، وعمرا ليجزه الله خيرا“([42]). فالدعاء مشتق من المعنيين الأصليين-الأمر والنهي- بسبب اختلال العلاقة القائمة بين الآمر والمأمور، والناهي والمنهي.

الاستفهام:

الاستفهام استخبار والاستخبار طلب الخبر من المخاطب أو طلب الفهم([43]). أي طلب العلم بشيء لم يكن معلوما. ويتحقق في العربية بتصدير الجملة بإحدى أدواته سواء كانت حروفا مثل: الهمزة وهل، أم أسماء مثل: ما، ومن، وكيف، وكم، وأي، وأنّى ومتى، وأيّان([44]).

وإذا كان الاستفهام مسألة وطلبا للفهم والمعرفة فذلك لا يكون إلا متى توفرت شروطه، ومن أهم شروطه جهل المتكلم بما يسأل عنه وتقديره علم المخاطب به. فإذا لم تتوفر شروطه انصرف من المسألة إلى معان أخرى فرعية. فقد ذكر ابن هشام أن الهمزة مثلا قد تخرج عن الاستفهام الحقيقي، فترد لثمانية معان: التسوية، والإنكار الإبطالي، والإنكار التوبيخي، والتقرير، والتهكم، والأمر، والتعجب، والاستبطاء([45]). وهذه المعاني لا سبيل إلى الظفر بها بالاقتصار على مجرد الصيغة دون اعتماد الظروف المحيطة باستعمالها، ومقتضى الحال، وقصد المتكلم. لأن ”المستفهم عن الشيء قد يكون عارفا به مع استفهامه في الظاهر عنه، لكن غرضه في الاستفهام عنه أشياء“([46]).

ومن أمثلة خروج الاستفهام إلى معنى التوبيخ والإنكار ما ذكره المبرد في ”باب المصادر في الاستفهام على جهة التقدير على المسألة“ فقد أورد المثال التالي ”أقياما وقد قعد الناس؟“ قائلا إنك ”لم تفعل هذا سائلا، ولكن قلته موبخا منكرا عليه لما هو عليه، ولولا دلالة الحال على ذلك لم يجز الإضمار، لأن الفعل إنما يضمر إذا دل عليه دال، كما أن الاسم لا يضمر حتى يذكر، وإنما رأيته في حال قيام في وقت يجب فيه غيره فقلت له منكرا“([47]). ويعضد هذا الكلام المثال الذي جاء به سيبويه موضحا المعنى الذي خرج إليه الاستفهام ”أتميميا مرة وقيسيا أخرى“ وإنما هذا أنك رأيت رجلا في حال تلوّن وتنقل، فقلت أتميميا مرة وقيسيا أخرى. كأنك قلت أتحوُّل تميميا مرة وقيسيا أخرى. فأنت في هذا الحال تعمل في تثبيت هذا له، وهو عندك في تلك الحال في تلّون وتنقل، وليس يسأله مسترشدا عن أمر هو جاهل به ليفهمه إيّاه ويخبره عنه، ولكنه وبخه بذلك“([48]). فالاستفهام في المثال خرج إلى الإثبات-أي إثبات حالة التنقل بين أمرين. والإثبات بدوره خرج إلى التوبيخ. فالإنكار والتوبيخ في الأمثلة السالفة الذكر حاصلان بالمقام لا بالصيغة.

وقد يخرج الاستفهام إلى معنى الخبر إذا انضم التعجب إليه يقول ابن جني (ت 392 ه): ”لفظ الاستفهام إذا ضامه معنى التعجب استحال خبرا، وذلك قولك، مررت برجل أي رجل، فأنت الآن مخبر بتناهي الرجل في الفضل، ولست مستفهما، وكذلك مررت برجل أيما رجل، لأن «ما» زائدة وإنما كان كذلك لأن أصل الاستفهام الخبر، والتعجب ضرب من الخبر، فكأن التعجب لما طرأ على الاستفهام إنما أعاده إلى أصله من الخبرية“([49]). وقد يخرج الاستفهام إلى التقرير، والتمني، والعرض([50]).

الأدوات:

احتلت الأدوات والحروف مواقع هامة في كتب النحويين كـ”ـمغنى اللبيب“ لابن هشام. وتؤدي حروف المعاني وظائف معينة في اللغة العربية أو أفعالا إنجازية بالتعبير التداولي في سياقات محددة ومناسبة لمعانيها. وقد تؤدي معاني فرعية يقتضيها المقام. ومن مثل هذه الحروف أو الأدوات «لعلّ» التي تفيد الترجي، وفي مقامات معينة التوقع، والتعليل، والاستفهام([51])، وكم الخبرية الدالة على التكثير، وربّ الدالة على التقليل أو التكثير بحسب السياق الذي ترد فيه، ونعم الدالة على المدح وبئس الدالة على الذم، وألا الدالة على العرض، وهلاّ الدالة على التحضيض. يقول مسعود صحراوي ”وأما المعاني والإفادات التي تستفاد من تلك «الحروف» أو «الأدوات»،[...]، فنراها ممثلة بصدق ودقة لنظرية الأفعال الكلامية كما يتصورها الفكر المعاصر، ولذلك صح في تصورنا أن تعد تلك المعاني والإفادات والمقاصد «أفعالا كلامية» [..] ترمي إلى صناعة أفعال ومواقف اجتماعية أو ذاتية بالكلمات، أي ترمي إلى التأثير في المخاطب بحمله على فعل أو ترك [...] أو تقرير حكم من الأحكام، أو تأكيده [...] وهي معان عديدة لا يمكن أن تحصى أو تحصر جميعا لأنها تتجاوز الإحصاء و الحصر كما ذكر علماؤنا القدماء“ ([52]).

كانت هذه بعض الأمثلة التي درسها النحويون وتجاوزوا فيها مجرد النظر إلى الصيغه اللغوية. فقد تخرج بعض الأساليب عن معانيها الأصلية إلى معان فرعية يقتضيها السياق المقامي والعرف، وهذا السياق يعرفه المخاطب كما يعرفه السامع اللذان يشتركان في العلم بأصول اللغة وقواعدها. وقد وردت متناثرة في أبواب كثيرة متفرقة في كتب النحو واللغة. وهذا ما يدل على أن بعض النحاة لم تكن دراستهم النحوية دراسة شكلية خالصة، بل راعوا فيها الاستعمال اللغوي.

:المقاربة البلاغية

ذهب البلاغيون أبعد من النحويين، وعالجوا الترابط القائم بين الخصائص الشكلية والخصائص التداولية للعبارات والأساليب النحوية. فإذا كانت الدراسة النحوية في عمومها قد عنيت بالتحليل لا بالتركيب-كما يقول تمام حسان- فإن البلاغيين اهتموا بالتراكيب وتعلق الكلام بعضه ببعض. فعبد القاهر الجرجاني (ت 471 ه) في كتابه ”دلائل الإعجاز“ يكشف عن رؤية شمولية لموضوعات النحو العربي ”لا بوصفه أبوابا وفصولا، بل بوصفه نظاما من العلاقات هو ذاته نظام العربية كلغة، كنص، كخطاب“([53]). ومنذ البداية يشرح نظريته في النظم قائلا: ”معلوم أن ليس النظم سوى تعليق الكلم بعضها ببعض، وجعل بعضها بسبب من بعض. والكلم ثلاث: اسم وفعل وحرف، وللتعليق فيما بينها طرق معلومة، وهو لا يعدو ثلاثة أقسام: تعلق اسم باسم، وتعلق اسم بفعل، وتعلق حرف بهما“([54]).

ونظرية النظم عند الجرجاني تقوم على أساس أن التعالق القائم بين مكونات الجملة تعالق نحوي بلاغي وأن اللفظ تابع للمعنى ويعكس ترتيبه في النطق ترتيب المعاني في النفس. ”وأما نظم الكلم فليس الأمر فيه كذلك،[أي لا يشبه نظم الحروف]، لأنك تقتفي في نظمها آثار المعاني، وترتّبها على حسب ترتيب المعاني في النفس. فهو إذا نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، وليس هو النظم الذي معناه ضم الشيء كيف جاء واتفق“([55]). ثم يضيف قائلا: ”والفائدة في معرفة هذا الفرق أنّك إذا عرفته عرفت أن ليس الغرض بنظم الكلم أن توالت ألفاظها في النطق، بل أن تناسقت دلالتها والتقت معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل“ ([56]). وليس النظم عند الجرجاني إلا توخي معاني النحو وأحكامه، لأن النحو يقوم بدور مركزي إذ أنّ قواعده وأحكامه تعد الأداة الرابطة بين البنية اللفظية والمعنى الذي يتوخاه المتكلم ويريد تبليغه سواء أكان إخبارا أم أمرا أم نهيا أم استخبارا... ”اعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التي نهجت له فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك، فلا تخل بشيء منها“([57]). كما أرجع الجرجاني المزية للمعاني وليس للألفاظ، لأن الألفاظ تابعة للمعاني وخادمة لها. ”...إنّ الألفاظ إذا كانت أوعية للمعاني فإنها لا محالة تتبع المعاني في مواقعها، فإذا وجب لمعنى أن يكون أولا في النفس وجب اللفظ الدال عليه أن يكون مثله أولا في النطق“([58]). ويضيف قائلا: ”وأنك إذا فرغت من ترتيب المعاني في نفسك لم تحتج إلى أن تستأنف فكرا في ترتيب الألفاظ، بل تجدها تترتب لك بحكم أنها خدم للمعاني، وتابعة لها ولاحقة بها، وأن العلم بمواقع المعاني في النفس، علم بمواقع الألفاظ الدالة عليها في النطق“([59]).

كما ميّز الجرجاني بين المعنى ومعنى المعنى. فهو يقسم الكلام إلى ضربين ”ضرب: أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده، [...] وضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده، ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض. ومدار هذا الأمر على الكناية، والاستعارة والتمثيل“([60]). ولا سبيل للوصول إلى معنى المعنى- المعنى المستلزم- إلا عن طريق الاستدلال ”فإنك في جميع ذلك لا تفيد غرضك الذي تعني من مجرد اللفظ، ولكن يدل اللفظ على معناه الذي يوجبه ظاهره، ثم يعقل السامع من ذلك المعنى على سبيل الاستدلال معنى ثانيا هو غرضك كمعرفتك من كثير رماد القدر أنّه مضياف، ومن طويل النجاد أنه طويل“([61]). ويشرح الجرجاني معنى المعنى قائلا: ”نعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ، والذي نصل إليه بغير واسطة، وبمعنى المعنى أن تعقل من اللفظ معنى، ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر كالذي فسرت لك“([62]).

فهذه الأساليب البيانية البلاغية تجعل المخاطب أو المتلقي يسهم في إنتاج المعنى المقصود بدل إعطائه إياه جاهزا، وذلك بواسطة عمليات استدلالية ينتقل فيها من خلال اللفظ ومعناه الظاهر المتعارف عليه إلى المعنى الذي يقصده المتكلم.

لقد اهتم الجرجاني بدراسة المعنى سواء أكان معنى مباشرا أم غير مباشر، وهذا المعنى لا يحصل برصف الكلمات بعضها ببعض كيفما اتفق بل يحصل بمراعاة أحكام النحو. لأن النظم في حقيقته وجوهره هو ”توخي معاني النحو وأحكامه وفروقه ووجوهه والعمل بقوانينه وأصوله“([63]).

أما فيما يخص الأفعال الكلامية-الخبر والإنشاء- فقد درست في إطار ”علم المعاني“ الذي يعرفه السكاكي بقوله: ”اعلم أن علم المعاني هو تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة، وما يتصل بها من الاستحسان وغيره، ليحترز بالوقوف عليها من الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره“([64])؛ فعلم المعاني يهتم بمقولات من قبيل مقولة الإفادة، ومطابقة الكلام لمقتضى الحال: حال السامع، والمعنى السابق إلى الفهم أثناء العملية التواصلية، وبالقواعد التي تحكم عملية الانتقال من الأغراض الأصلية إلى الأغراض الفرعية. ويميز السكاكي بين أسلوبي الخبر والطلب استنادا إلى معايير الهدف، واتجاه المطابقة مع الواقع، والحالة النفسية للمتكلم، وطبيعة العلاقة القائمة بينه وبين المخاطب، والصيغة ومضمون العبارة اللغوية([65]). ويربط الكلام بسياقاته المختلفة. فلكل مقام مقال. يقول: ”لا يخفى عليك أن مقامات الكلام متفاوتة، فمقام الشكر يباين مقام الشكاية، ومقام التهنئة يباين مقام التعزية، ومقام المدح يباين مقام الذم، ومقام الترغيب يباين مقام الترهيب، ومقام الجد في جميع ذلك يباين مقام الهزل. وكذا مقام الكلام ابتداء يغاير مقام الكلام بناء على الاستخبار أو الإنكار، ومقام البناء على السؤال يباين مقام الكلام على الإنكار، جميع ذلك معلوم لكل لبيب، وكذا مقام الكلام مع الذكي يغاير مقام الكلام مع الغبي، ولكل من ذلك مقتضى غير مقتضى الآخر“([66]).

فإذا كان الخبر لا يعدو أن يكون ”الحكم بمفهوم لمفهوم“([67])، فإنّ له استعمالات متباينة لتباين مقامات ورودها. فمن المقامات ما يقتضي إطلاق الحكم، ومنها ما يقتضي تأكيده، ومنها ما يلزم تخصيص المسند، ومنها ما يتطلب الإيجاز، ومنها ما يتطلب الإطناب. وقد فرق بين الأخبار بحسب حال المخاطب إلى ثلاثة أضرب:- ابتدائي يلقى إلى خالي الذهن لإفادة المخاطب حكما إما إثباتا أو نفيا: زيد عارف.- طلبي يلقى إلى مخاطب طالب للمعلومة يستحسن تقوية معناه بمؤكد: لزيد عارف/ إنّ زيدا عارف.- إنكاري يلقى إلى مخاطب معترض على حكم ما ليرده إلى حكم نفسه: إنّ زيدا لعارف([68]). ويورد السكاكي قول الكندي لأبي العباس ليبين الفرق بين أضرب الخبر الثلاثة: ”إني أجد في كلام العرب حشوا. يقولون: عبد الله قائم، إنّ عبد الله قائم. ثم يقولون إن عبد الله لقائم والمعنى واحد“([69]). فيجيب أبو العباس بأن المعاني مختلفة ”فالأول إخبار عن قيامه، والثاني جواب عن سؤال سائل، والثالث جواب عن إنكار منكر قيامه“([70])، فالمحتوى القضوي لهذه الجمل-على تعبير سورل- واحد وهو إسناد القيام إلى عبد الله لكن الاختلاف يكمن في شدة قوة الفعل الإنجازي. ”فسؤال الكندي وجواب المبرد يكشف لنا عن موقفين أحدهما لفيلسوف لا يرى في الكلام إلا معناه القضوي دون نظر إلى معناه الإنجازي الذي يراد به، فهو لا يرى في الأمثلة السابقة إلا نسبة القيام إلى [عبد الله]، والقضية تقوم على هذه النسبة، فلم يتجاوزها فكره، أما المبرد فهو لغوي أديب ذو بصر حديد بأن المعنى الذي يقصده المتكلم يتخذ له من الوسائل اللغوية والمقامية ما يعين على إدراكه فقد أدرك أن قصد المتكلم مراعى فيه حال المخاطب“([71]).

وأورد السكاكي عبارة تداولية بامتياز حين تكلم عن خروج الأساليب الخبرية والطلبية عن معانيها الأصلية إلى معان فرعية حيث قال: ”والسابق في الاعتبار في كلام العرب شيئان: الخبر والطلب المنحصر في الأبواب الخمسة... وما سوى ذلك نتائج امتناع إجراء الكلام على الأصل“([72])، ويقول في موضع آخر ”متى امتنع إجراء هذه الأبواب على الأصل تولد منها ما ناسب المقام“([73]). فكيف تناول السكاكي خروج الطلب من المعاني الأصلية إلى المعاني الفروع؟ الطلب هو القانون الثاني من علم المعاني، وأغراضه الأساسية خمسة: الاستفهام، والتمني، والنداء، والأمر، والنهي. ويرتكز الطلب على المبادئ التالية: التصور، والمطلوب، ومطلوب غير حاصل وقت الطلب. يقول السكاكي: ”لا ارتياب في أن الطلب من غير تصور إجمالا أو تفصيلا لا يصح، وأنّه يستدعي مطلوبا لا محالة، ويستدعي فيما هو مطلوبه أن لا يكون حاصلا وقت الطلب“([74]). ويقسم الطلب إلى نوعين ”نوع لا يستدعي في مطلوبه إمكان الحصول.[...] والمطلوب[...] يستلزم انحصاره في قسمين: حصول ثبوت متصور، وحصول انتفاء. وبالنظر إلى كون الحصول ذهنيا وخارجيا يستلزم انقساما إلى أربعة أقسام: حصولين في الذهن، وحصولين في الخارج“([75]).

ويوضح السكاكي الشروط التي تضبط إجراء معاني الطلب على أصلها أي داخل مقامات تتلاءم وشروط الإجراء على الأصل بحيث تحمل العبارة اللغوية المعنى الذي تدل عليه صيغتها. يقول في التمني الذي يقع تحت شرط ”غير ممكن الحصول“: ”أو ما ترى كيف تقول ليت زيدا جاءني. فتطلب كون غير الواقع فيما مضى واقعا فيه مع حكم العقل امتناعه، أو كيف تقول ليت الشباب يعود، فتطلب عود الشباب مع جزمك أنه لا يعود“([76]).

ويقول في النوع الثاني من الطلب والذي يقع تحت شرط ”ممكن الحصول“ ”والاستفهام لطلب حصول في الذهن، والمطلوب حصوله في الذهن، إما أن يكون حكما بشيء على شيء أو لا يكون.[...] وأما الأمر، والنهي، والنداء فلطلب الحصول في الخارج، إما حصول انتفاء متصور،[...]، وإما حصول ثبوته،[...]، والفرق بين الطلب في الاستفهام، وبين الطلب في الأمر والنهي والنداء واضح، فإنك في الاستفهام تطلب ما هو في الخارج ليحصل في ذهنك نقش له مطابق، وفيما سواه تنقش في ذهنك ثم تطلب أن يحصل له في الخارج مطابق، فنقش الذهن في الأول تابع وفي الثاني متبوع“([77]).

لقد فرق السكاكي بين الطلب بالأمر، والنهي، والنداء، والطلب بالاستفهام بالاختلاف في اتجاه المطابقة، وهو ما ذهب إليه سورل وأخذ به كمعيار للتفريق بين الأفعال الكلامية([78]).

:ويمكن توضيح قانون الطلب عن طريق الرسم التالي




ففي حالة إجراء معاني الطلب الخمسة على أصلها تحمل الجملة المعنى الذي تدل عليه صيغتها وبنيتها. فالاستفهام مثلا كي يجرى على أصله أي يدل على سؤال حقيقي يجب أن تنجز الجملة الاستفهامية في مقام يطابق الشروط التالية:

  1. - مطلوب غير حاصل وقت الطلب.

    - ممكن الحصول.

    - في الذهن.

كما هو الحال في الأمثلة التالية:

  1. - هل غادر الطلبة المدرج؟

    - متى سيجرى الامتحان؟

    - هل عاد خالد من السفر؟

وحين لا يطابق المقام شروط إجراء الاستفهام على أصله، يختل أحد هذه الشروط فيمتنع إجراء السؤال، وتنتقل الجملة من الدلالة على هذا الغرض الأصلي إلى الدلالة على الغرض الذي من شروط إجرائه عكس الشرط المختل. ففي المثال الذي ساقه السكاكي:

- هل لي من شفيع؟

”في مقام لا يسع إمكان التصديق بوجود الشفيع. امتنع إجراء الاستفهام على أصله، وولد بمعونة قرائن الأحوال معنى التمني“([79]).

والشرط المختل هنا هو شرط ”ممكن الحصول“ وحلول الشرط عكسه ”غير ممكن الحصول“. وفي المثال التالي إذا قلت لمن همك همه:

- ليتك تحدثني

امتنع إجراء التمني، وولد بمعونة قرينة الحال معنى السؤال“([80]).

والشرط المختل هنا هو شرط ”غير ممكن الحصول“ وحلول الشرط عكسه ”ممكن الحصول“. فعملية الانتقال تتم في مرحلتين متلازمتين اثنتين:

  1. -يؤدي عدم المطابقة المقامية إلى خرق أحد شروط إجراء المعنى الأصلي فيمتنع إجراؤه.

    -يتولد عن خرق شرط المعنى الأصلي وبالتالي امتناع إجرائه معنى آخر يناسب المقام([81]).

وقد ينجم عن خرق المقام الملائم الانتقال من معنى طلبي أصلي إلى معنى طلبي أصلي آخر، فيخرج الاستفهام إلى التمني، والتمني إلى السؤال-كما مر بنا- وقد تخرج المعاني الطلبية الأصلية إلى معان فرعية: كالإنكار، والتوبيخ، والالتماس، والتعجيز، والتهديد، والتعجب، والتعجيب وغيرها.وحسب تحليل السكاكي للأمثلة التي ساقها قد تحمل العبارة اللغوية الواحدة إضافة إلى قوتها الإنجازية الحرفية أكثر من قوة إنجازية مستلزمة حيث يقول إذا قلت لمن تراه يؤذي الأب:

-أتفعل هذا؟

امتنع توجه الاستفهام إلى فعل الأذى لعلمك بحاله وتوجه إلى ما لم تعلم مما يلابسه من نحو:

-أتستحسن؟

وولد الإنكار والزجر.

أو كما قلت لمن يهجو أباه:

-هل تهجو إلا نفسك؟ أو غير نفسك؟

امتنع إجراء الاستفهام على ظاهره، وتولد منه بمعونة القرينة الإنكار والتوبيخ.

أو كما إذا قلت لمن بعثت إلى مهم وأنت تراه عندك:

-أما ذهبت بعد؟

امتنع الذهاب عن توجه الاستفهام إليه لكونه معلوم الحال واستدعى شيئا مجهول الحال مما يلابس الذهاب مثل:

-أما يتيسر لك الذهاب؟

وتولد منه الاستبطاء والتحضيض.

أو كما إذا قلت لمن يدعي أمرا ليس في وسعه:

-افعله !

امتنع أن يكون المطلوب بالأمر، حصول ذلك الأمر في الخارج بحكمك عليه بامتناعه، وتوجه إلى مطلوب ممكن الحصول مثل بيان عجزه، وتولد التعجيز والتحدي.

أو كما إذا قلت لعبد شتم مولاه:

-اشتم مولاك.

امتنع أن يكون المراد الأمر بالشتم. والحال ما ذكر وتوجه بمعونة قرينة الحال إلى نحو:

-اعرف لازم الشتم

وتولد منه التهديد([82]).

من خلال الأمثلة يتبين أن العبارة اللغوية الواحدة يمكن أن تحمل في مقامات معينة قوى استلزامية متعددة بقطع النظر عن قوتها الإنجازية الحرفية. فللجملة:

أما ذهبت بعد؟

الحمولة الإنجازية التالية:

أ‌- القوة الحرفية السؤال المنصبة على السؤال ذاته.

ب- والقوة المستلزمة السؤال المنصبة على تيسر الذهاب حيث ترادف:

- أما يتيسر لك الذهاب.

ج- والقوة المستلزمة الاستبطاء التي تجعلها مرادفة للجملة.

- لقد أبطات في الذهاب.

د- وأخيرا القوة المستلزمة التحضيض التي يصبح على أساسها معنى الجملة:

- هلاّ ذهبت([83]).

فالمخاطب يقوم بمجموعة من الاستدلالات انطلاقا من القوة الإنجازية الحرفية ووصولا إلى القوى الإنجازية المستلزمة التي يراها ملائمة لقصد المتكلم، ومبدأ الخرق يشكل أساس عملية ”الاستدلال“ أو ”الاستلزام الحواري“ كما يسميه جرايس([84]).

ومن خلال استقراء الأمثلة التي ساقها السكاكي فالاستفهام على سبيل المثال قد يخرج وفي طبقات مقامية معينة إلى:

التمني، والإنكار، والزجر، والتوبيخ، والوعد، والوعيد، والعرض، والاستبطاء، والتحضيض، والتقرير، والتعجب، والتعجيب، وما إلى ذلك([85]).

لقد تصدى البلاغيون، إذن، لدراسة ظواهر لغوية تعد من صميم الدراسة التداولية. واتسمت دراستهم لهذه الظواهر بالدقة، والاتساق، والشمول، وميزوا بين الأفعال الكلامية المباشرة والأفعال الكلامية غير المباشرة بحسب تعبير سورل([86]).

المقاربة الأصولية:

إذا كان علم أصول الفقه ”هو النظر في الأدلة الشرعية من حيث تؤخذ منها الأحكام والتكاليف“([87])، فإن علماء الأصول تصدوا لكيفية استنباط هذه الأحكام والتكاليف معتمدين على اللغة وقضايا المعنى. فـ”ـالسلطة المرجعية الأولى في علم أصول الفقه هي للبحوث اللغوية سواء منها ما يدرس مجموعا في «أبواب الخطاب» أو ما يأتي متفرقا في الأبواب الأخرى. والمحور الرئيسي الذي ينتظم هذه البحوث هو العلاقة بين اللفظ والمعنى، أو مسألة الدلالة“([88]). فالبحث الأصولي بحث في الدلالة، دلالة الخطاب القرآني. والمعاني هي المقصودة وما اللفظ إلا وسيلة لتحصيل المعنى المراد. وعلم العربية كما يقول الآمدي (ت 631 ه) يتوقف عليه ”معرفة دلالات الأدلة اللفظية [...] من جهة الحقيقة والمجاز، والعموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، والحذف والإضمار، والمنطوق والمفهوم، والاقتضاء والإشارة، والتنبيه والإيماء، وغيره، مما لا يعرف في غير علم العربية“([89]).

تناول علماء الأصول، إذن، القضايا الدلالية المتعلقة بألفاظ القرآن الكريم؛ وقسموا اللفظ باعتبار المعنى الذي وضع له إلى ثلاثة أصناف: خاص، وعام، ومشترك؛ وباعتبار المعنى الذي استعمل فيه ضمن سياق معين إلى حقيقة ومجاز، وباعتبار درجة وضوح معناه إلى محكم ومتشابه؛ وباعتبار طريق دلالته على المراد منه إلى منطوق ومفهوم. والمنطوق ما فهم من دلالة اللفظ قطعا في محل النطق أما المفهوم فهو ما فهم من اللفظ في غير محل النطق.

وإلى جانب السياقات اللغوية وغير اللغوية، فقد راعى علماء الأصول مقاصد المتكلم وغرضه فـ ”دلالات الألفاظ ليست لذواتها بل هي تابعة لقصد المتكلم وإرادته“([90]). ويقول الجويني (ت 478 ه): ”ومن لم يتفطن لوقوع المقاصد في الأوامر والنواهي فليس على بصيرة في وضع الشريعة“([91]).

كما تناول علماء الأصول الخبر والإنشاء والأفعال الكلامية المنبثقة عنهما سواء كانت أفعالا كلامية مباشرة أو أفعالا كلامية غير مباشرة. فجهودهم لم تقتصر ”على دراسة الصيغ والأساليب الجارية على الأصل فحسب، بل درسوا وبتوسع ما يجيء مخالفا لهذا الأصل، والمعنى المقصود يثبت عندهم بالقرينة أي بما يساعد في توجيه المعنى من دلائل المقال أو الحال“([92])؛ لهذا كان بحثهم أكثر دقة وأقرب إلى واقع الاستعمال. وقد كان اهتمامهم شديدا بالخبر لتعلقه بالأسانيد والمتون، وبالأمر والنهي لتعلقهما بالأحكام الشرعية.

:الخبـر

عرّف الغزالي (ت 505 ه) الخبر بقوله: ”وحدّه أنه القول الذي يتطرق إليه التصديق أو التكذيب، أو هو القول الذي يدخله الصدق أو الكذب، وهو أولى من قولهم: يدخله الصدق والكذب إذ الخبر الواحد لا يدخله كلاهما، بل كلام الله تعالى لا يدخله الكذب أصلا“([93]). فالصدق والكذب لا يجتمعان في الخبر الواحد، ولا يسوغ وصفه بهما في الوقت ذاته وإلا كان تناقضا. ويعرفه الآمدي بعدما أورد فيه عدة أقوال: ”الخبر عبارة عن اللفظ الدال بالوضع على نسبة معلوم إلى معلوم أو سلبها على وجه يحسن السكوت عليه من غير حاجة إلى تمام مع قصد المتكلم به الدلالة على النسبة أو سلبها“([94])، وقوله ”قصد المتكلم به الدلالة على النسبة أو سلبها احتراز عن صيغة الخبر إذا وردت ولا تكون خبرا، كالوارد، على لسان النائم والساهي والحاكي بها، أو لقصد الأمر مجازا كقوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ([95])

خبر قصد به الأمر على معنى ”فليرضعن“([96]). فقد أولى علماء الأصول أهمية كبرى لقصد المتكلم، فالصيغة وحدها لا

لا تكفي لتحديد نوع الفعل الكلامي ولا تكون وحدها معيارا للتميز بين الخبر والإنشاء.وقسم الآمدي الخبر إلى ثلاثة أقسام:

  1. 1. 1- صادق أوكاذب لأنه لا يخلو إما أن يكون مطابقا للمخبر به أو غير مطابق.

    2- ما يعلم صدقه، وإلى ما يعلم كذبه، وإلى ما لا يعلم صدقه ولا كذبه.

    3- متواتر وآحاد([97]).

وتندرج الأخبار بأنواعها ضمن صنف ”الإخباريات“ أو ”التقريريات“ بلغة سورل، والقوة الإنجازية لهذه الأفعال الكلامية هي ”التقرير“ والذي يتمثل في إقرار المتكلم مسؤوليته عن صحة ما يتلفظ به([98]).

وتناول الأصوليون الأغراض المنبثقة عن الخبر. فقد اعتبروا الشهادة خبرا، والرواية خبرا، والإقرار خبرا، والمقدمة خبرا، والنتيجة خبرا، وكذا الوعد والوعيد([99]). والخبر يتقلب بين ثلاثة أفعال كلامية: فقد يكون رواية محضة، أو شهادة محضة، وقد يكون رواية أو شهادة بحسب المقام. و”الأساس التميزي الذي يقوم عليه التفريق بين هذه الأخبار هو«الآثار المترتبة» عن الخبر والمتعلقة بالمخبر عنه“([100]). فإذا كان المخبر عنه أمرا عاما لا يختص بمعين فهو رواية، وإذا كان المخبر عنه معينا خاصا فهو شهادة، وإذا كان في مقام غير رسمي فهو رواية، وأما إذا كان في مقام رسمي كأن يكون أمام القاضي فهو شهادة. وقد تنتقل الشهادة من الخبرية إلى الإنشائية. فلو قال الشاهد: ”أشهد عندك أيها القاضي بكذا“ كان إنشاء، ولو قال ”شهدت“ لم يكن إنشاء. وهذا بسبب الصيغة اللغوية([101]).

فبعض الأفعال الكلامية تؤثر صيغتها في إيقاعها الإنجازي مثل ألفاظ العقود. لهذا لا يقول الأصوليون بتوحيد صيغ الأفعال الكلامية فالإنشاء في الشهادة بالمضارع، وفي العقود بالماضي، وفي الطلاق بالماضي واسم الفاعل. فصيغ ألفاظ العقود كبعت، وطلقت، واشتريت، وزوجت إنشائية إذا لم يتم وقوع فعلها في الماضي. فإن وقع فعلها في الماضي لم تعد إنشاء بل إخبارا([102]).

لكن الصيغة وحدها لا تكفي لتحديد الفعل الكلامي، بل قصد المتكلم كذلك، والسياق الذي وقع فيه التلفظ. فالعبرة عند الأصوليين بالمقاصد والمعاني.

:الأمر والنهي

وإلى جانب الأفعال الكلامية المنبثقة عن الخبر، درس علماء الأصول الأفعال المنبثقة عن الأمر والنهي فقد وظفوا ثنائية معنى حقيقي ومعنى مجازي لرصد تعدد الأغراض الكلامية بالنسبة للعبارة اللغوية الواحدة. فصيغة ”افعل“ عند بعض الأصوليين حقيقة في الطلب والأمر مجاز في غيره، وصيغة ”لا تفعل“ حقيقة في النهي مجاز في غيره. والقرينة هي مؤشر الانتقال من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي. فصيغة ”افعل“ تفيد الأمر أصلا، فإذا صاحبتها قرينة ما صرفتها عن الأمر إلى الالتماس أو التهديد أو التحدي، أو الدعاء. لهذا عرّف علماء الأصول الأمر على أنه”طلب الفعل على جهة الاستعلاء“([103]). وقولهم ”طلب الفعل“ احتراز عن النهي وغيره من أقسام الكلام؛ وقولهم على ”جهة الاستعلاء“ احتراز عن الطلب بجهة الدعاء أو الالتماس. يقول الآمدي في صيغة ”افعل“: ”ومنهم من قال أنها حقيقة في الطلب، ومجاز فيما سواه. وهذا هو الأصح، وذلك لأنا إذا سمعنا أن أحدا قال لغيره: «افعل كذا» وتجرد ذلك عن جميع القرائن، وفرضناه كذلك، فإنه يسبق إلى الإفهام منه طلب الفعل واقتضاؤه من غير توقف على أمر خارج دون التهديد المستدعي لترك الفعل، والإباحة المخيّرة بين الفعل والترك. ولو كان مشتركا أو ظاهرا في الإباحة، لما كان كذلك. وإذا كان الطلب هو السابق إلى الفهم عند عدم القرائن مطلقا، دلّ ذلك على كون صيغة «افعل» ظاهرة فيه“([104]) والفعل المطلوب قد يكون واجبا أو مندوبا أو إرشادًا ”إذا ثبت أن صيغة «افعل» ظاهرة في الطلب والاقتضاء، فالفعل المطلوب لا بد وأن يكون فعله راجحا على تركه، فإن كان ممتنع الترك، كان واجبا، وإن لم يكن ممتنع الترك، فإما أن يكون ترجحه لمصلحة أخروية، فهو المندوب، وإما لمصلحة دنيوية، فهو الإرشاد“([105]).

واعتبر الشاطبي (ت 790 ه) الأمر الحقيقي هو طلب الفعل مع القصد لإيقاع المطلوب، والنهي الحقيقي هو طلب الترك مع القصد لترك إيقاع المطلوب. يقول: ”الأمر والنهي يستلزمان طلبا وإرادة من الآمر، فالأمر يتضمن طلب المأمور به وإرادة إيقاعه، والنهي يتضمن طلبا للترك المنهي عنه وإرادة لعدم إيقاعه ومع هذا ففعل المأمور به وترك المنهي عنه يتضمنان أو يستلزمان إرادة، بها يقع الفعل أو الترك أو لا يقع“([106]). وإذا كان الأمر والنهي اقتضاء الفعل أو اقتضاء الترك مع القصد لإيقاع المطلوب، فإن الشاطبي عدّ أمر التعجيز والتهديد أمرا جاريا على غير حقيقته لانعدام القصد إلى إيقاع المطلوب. فالمعجّز والمهدد غير قاصدين لإيقاع المأمور به. فالأمر فيهما ”طلب للتحصيل لا طلب للحصول“([107])، ويراد بطلب التحصيل طلب شيء متعذر الحصول. فالمتكلم يفصح عن قصده ولا يريد من المخاطب إنجاز المطلوب، عكس طلب الحصول فالمتكلم يطلب شيئا ممكن الوقوع ويريد من المخاطب إنجازه.

كما تناول مسألة دلالة الألفاظ على المعاني وصنّفها صنفين: دلالة أصلية ودلالة تابعة. وتساءل عمّا إذا كانت الأحكام الشرعية تستنبط من الدلالة الأصلية أم من الدلالة التابعة قائلا: ”إذا ثبت أن للكلام من حيث دلالته على المعنى اعتبارين: من جهة دلالته على المعنى الأصلي، ومن جهة دلالته على المعنى التبعي الذي هو خادم للأصل، كان الواجب أن ينظر في الوجه الذي تستفاد منه الأحكام، هل يختص بجهة المعنى الأصلي؟ أو يعم الجهتين معا؟“([108]). واعتبر صيغ الأوامر والنواهي ذات دلالات أصلية إذا تجردت عن القرائن الصارفة لها عن مقتضى الوضع الأول وبذلك ”فلا إشكال في صحة اعتبارها في الدلالة على الأحكام بإطلاق“([109]). وتكون ذات دلالة تابعة إذا صرفتها القرائن عن معناها الحقيقي إلى معان أخرى كالتهديد، والتعجيز، والتوبيخ. يقول الشاطبي في قوله تعالى: ﴿ ذُقْ إِنَّك أَنتَ اَلْعَزِيزُ اَلْكَرِيمُ ﴾([110]) ”فإن مثل هذا لم يقصد به الأمر، وإنما هو مبالغة في التهديد أو الخزي، فلذلك لم يقبل أن يؤخذ منه حكم في باب الأوامر، ولا يصح أن يؤخذ“([111]).

والمعاني التي يخرج إليها الأمر والنهي عند الأصوليين كثيرة. فقد ترددت صيغة ”افعل“في الآيات القرآنية بين المعاني التالية: الندب، والإرشاد، والإباحة، والتهديد، والإنذار، والتعجيز، والدعاء...، وترددت صيغة ”لا تفعل“ بين المعاني الآتية: التحريم، والكراهة، والإرشاد، والإهانة...

من خلال المعاني التي ترددت بينها صيغة ”افعل“ ”ولا تفعل“ يتضح أن علماء الأصول سعوا لوضع تنظير تداولي لظاهرتي الأمر والنهي معتدين بالمعنى أكثر من الصيغة، ومركزين على أهمية السياق المقامي في تحديد المعنى الشامل للعبارات اللغوية. وهذا ما يوضحه قول الشاطبي: ”فالأوامر والنواهي من جهة اللفظ على تساو في دلالة الاقتضاء، والتفرقة بين ما هو أمر وجوب أو ندب، وما هو نهي تحريم أو كراهة، لا تعلم من النصوص، وإن علم منها بعض فالأكثر منها غير معلوم، وما حصل لنا الفرق إلا بإتباع المعاني، والنظر إلى المصالح، وفي أي مرتبة تقع؟ وبالاستقراء المعنوي، ولم نستند فيه لمجرد الصيغة، وإلا لزم في الأمر أن لا يكون في الشريعة إلا على قسم واحد، لا على أقسام متعددة، والنهي كذلك أيضا“([112])، ويعلل الشاطبي كلامه هذا وضرورة الأخذ بالسياق بقوله: ”بل نقول: كلام العرب على الإطلاق لا بد فيه من اعتبار معنى المساق في دلالة الصيغ، وإلا صار ضحكة وهزأة. ألا ترى إلى قولهم: فلان أسد أو حمار. أو عظيم الرماد [...] لو اعتبر اللفظ بمجرده لم يكن له معنى معقول. فما ظنك بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم“([113]).

فمن جراء البحث في المقاصد والأغراض التي يؤول إليها كل من الأمر والنهي، واعتماد القرائن اللفظية والحالية والمعنوية التي تهدي إلى تلك المقاصد استنبط علماء الأصول أفعالا كلامية جديدة لم يتطرق لها المبحث النحوي والبلاغي.

وخلاصة القول إن العلماء العرب من نحويين، وبلاغيين، وأصوليين تصدوا لدراسة ظواهر لغوية تؤاسر الظواهر التي وصفت في إطار فلسفة اللغة العادية. وخاصة ظاهرة الأفعال الكلامية والاستلزام الحواري. فثنائية خبر/ إنشاء تشبه إلى حد كبير ثنائية أوستين: وصف/ إنجاز([114]). فالجمل الخبرية هي الجمل التي تحتمل الصدق أو الكذب، والجمل الإنشائية هي الجمل التي لا تحتمل الصدق والكذب ومدلولها يتحقق بمجرد النطق بها. كما درسوا الجمل الخبرية لفظا والإنشائية معنى، والجمل الإنشائية لفظا الخبرية معنى. وتناولوا القوى الإنجازية الأصول وما يتفرع عنها من أغراض- قوى إنجازية مستلزمة-في طبقات مقامية معينة. وبعبارة أخرى فقد ميزوا بين الأفعال الكلامية المباشرة، والأفعال الكلامية غير المباشرة، وإن لم يعرفوا هذه المصطلحات ولم يستعملوها، فإنهم عرفوا ما يدخل فيها وما يندرج تحتها، وأطلقوا عليها مصطلحات أخرى.

وبحسب تصنيف سورل للأفعال الكلامية يمكن دخول معظم صور الخبر إلى قسم الإخباريات، ومعظم صور الإنشاء تدخل في الإعلانيات، والتوجيهات، والتعبيريات والإلتزاميات([115]).

:قائمة المصادر والمراجع

الآمدي، سيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، ضبطه وكتب حواشيه إبراهيم العجوز، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، د.ط، د.ت.

ابن جني، أبو الفتح عثمان، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الهدى، بيروت، د.ت.

ابن خلدون، عبد الرحمن أبو زيد ولي الدين، مقدمة: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، نسخة محققة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1424 هـ -2004 م.

ابن هشام الأنصاري، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد ابن عبد الله، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، د.ط، 1992.

ابن هشام الأنصاري، شرح قطر الندى وبل الصدى، طبعة جديدة منقحة مذيلة بالفهارس، ومعه كتاب سبيل الهدى، بتحقيق شرح قطر الندى، تأليف محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا- بيروت، ط 1، 1417 هـ - 1996 م.

ابن يعيش، موفق الدين يعيش ابن علي، شرح المفصل، عالم الكتب، بيروت. د.ط، د.ت.

تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، عالم الكتب، القاهرة، ط 3، 1418 هـ - 1998 م.

الجابري، محمد عابد، بنية العقل العربي، دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، نقد العقل العربي 2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 8، 2007.

الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز، تعليق محمد التونجي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط 1، 1425 هـ - 2005 م.

الجويني، إمام الحرمين، البرهان في أصول الفقه، دار الكتب العلمية، بيروت –لبنان، ط1، 1997.

الخطيب القزويني ، الإيضاح في علوم البلاغة، تحقيق غريد الشيخ محمد- إيمان الشيخ محمد، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط 1، 1425 هـ - 2004 م.

الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، صيدا –بيروت، د.ط، 1425 هـ - 2005 م.

الزهري نعيمة، الأمر والنهي في اللغة العربية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية -سلسلة الأطروحات والرسائل: 2، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، د.ط، د.ت.

السكاكي، أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر، مفتاح العلوم، ضبط وتعليق نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 2، 1407 هـ - 1987 م.

سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان، الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 3، 1988.

السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، تعليق محمد شريف سكر، مراجعة مصطفى القصاص، دار إحياء العلوم، بيروت، مكتبة المعارف، الرياض، ط 1، 1407 ه - 1987 م.

الشاطبي، أبو إسحاق، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط2، 1395 هـ - 1975 م.

الشاوش محمد، أصول تحليل الخطاب في النظرية النحوية العربية -تأسيس نحو النص، المؤسسة العربية للتوزيع، بيروت، ط 1، 1421 هـ - 2001.

صحراوي مسعود، التداولية عند العلماء العرب - دراسة تداولية لظاهرة الأفعال الكلامية في التراث اللساني العربي، دار التنوير للنشر والتوزيع، الجزائر، ط 1، 2008.

القزويني، الخطيب، الإيضاح في علوم البلاغة، تحقيق غريد الشيخ محمد- إيمان الشيخ محمد، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط 1، 1425 هـ - 2004 م.

الغزالي، أبو حامد، المستصفى من علم الأصول، تحقيق محمد مصطفى أبو العلاء، القاهرة، د.ط، 1971.

المبرد، أبو العباس، المقتضب، تحقيق عبد الخالق عظيمة، بيروت، 1963.

المتوكل أحمد، آفاق جديدة في نظرية النحو الوظيفي، دار الهلال العربية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط 1، 1993.

محمد حسن عبد العزيز، كيف ننجز الأشياء بالكلمات (2) مجلة كلية دار العلوم – القاهرة، العدد 19، 1995.

محمود أحمد نحلة، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، مصر، د.ط، 2002.

المراجع باللغة الأجنبية

Austin, John. L, How to Do Things with Words, Harvard University Press, Cambridge- Massachusetts, second Edition, 1975.

Grice, Paul, “Logic and Conversation”, in Cole and Morgan (eds.), Syntax and Semantics: 3, Speech Acts, Academic Press, 1975.

Searle. John, Speech Acts -An Essay in the Philosophy of Language, Cambridge University Press, 31st Edition, 2009. (1st Edition 1969).

Searle. J, “Indirect Speech Acts”, in Cole and Morgan (eds.), Syntax and Semantics: 3, Speech Acts, Academic Press, 1975.

Searle. J, “A Classification of Illocutionary Acts”, Language in Society, Vol: 5, April, 1976.

حاشية

* halimabourrich8@gmail.com.
( 1 ) ابن يعيش، موفق الدين يعيش ابن علي، شرح المفصل، عالم الكتب، بيروت. د.ط، د.ت، مج 1، ج 1، ص 20.
([2]) نقلا عن: مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب - دراسة تداولية لظاهرة الأفعال الكلامية في التراث اللساني العربي، دار التنوير للنشر والتوزيع، الجزائر، ط1، 1429 هـ - 2008، ص 86
([3]) المرجع نفسه، ص 85-86
([4]) السكاكي أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمد بن علي، مفتاح العلوم، ضبطه وكتب هوامشه وعلق عليه نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 2، 1407هـ-1987م، ص 164
([5]) المرجع نفسه ، ص 302
([6]) السكاكي ، مفتاح العلوم ، ص 165
([7]) السيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، قدم له وعلق عليه محمد شريف سكر، راجعه مصطفى القصاص، دار إحياء العلوم، بيروت، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1407هـ-1987م، ج 2، ص 209
([8]) الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، تحقيق غريد الشيخ محمد- إيمان الشيخ محمد، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1425هـ-2004م، ص 95
([9]) Austin. J.L, How to Do Things with Words, Harvard University - Massachusetts, Second Edition, 1975.
([10]) Searle, John .R, Speech Acts, An Essay in the Philosophy of Language, Cambridge University Press, 31 edition, 2009.
([11]) المرجع السابق، ص 18
([12]) ابن خلدون عبد الرحمن أبو زيد ولي الدين، مقدمة: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، نسخة محققة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1424 هـ -2004م، ص 571
([13]) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج2، ص 210
([14]) Austin, How to Do Things with Words, p 6-7
([15]) المرجع السابق، ص 106
([16]) مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص 115
([17]) المرجع نفسه، ص 109-110
([18]) محمود أحمد نحلة، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، مصر، د.ط، 2002، ص 97
([19]) تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، عالم الكتب، القاهرة، ط3، 1418هـ-1998م، ص 12
([20]) المرجع نفسه، ص 16
([21]) المرجع نفسه، ص 17
([22]) مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص 217-218
([23]) نعيمة الزهري، الأمر والنهي في اللغة العربية، ص 82
([24]) المرجع نفسه، ص 82
([25]) المرجع نفسه، ص 82
([26]) ابن هشام الأنصاري أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد ابن عبد الله، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا –بيروت، د.ط، 1992، ج 2، ص 605
([27]) المرجع نفسه، ص 607
([28]) الشاوش محمد، أصول تحليل الخطاب في النظرية النحوية العربية -تأسيس نحو النص، المؤسسة العربية للتوزيع، بيروت، ط1، 1421 هـ -2001، ج 2، ص 869
([29]) محمد حسن عبد العزيز، كيف ننجز الأشياء بالكلمات (2) مجلة كلية دار العلوم –القاهرة، العدد 19،1995، ص 40
([30]) ابن هشام، أبو محمد عبد الله جمال الدين، شرح قطر الندى وبل الصدى، طبعة جديدة منقحة مذيلة بالفهارس، ومعه كتاب سبيل الهدى، بتحقيق شرح قطر الندى، تأليف محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا- بيروت، ط1، 1417 هـ -1996م، ص 103
([31]) سورة الصف: 10-12
([32]) المرجع نفسه، ص 103
([33]) ابن يعيش، شرح المفصل، ج7، ص 49
([34]) المرجع نفسه،ص 49
([35]) المبرد أبو العباس، المقتضب، تحقيق عبد الخالق عظيمة، بيروت، لبنان، ط1،1963، ج 4، ص 132
([36]) المرجع نفسه، ج4، ص 175
([37]) المرجع نفسه، ج 4، ص 175
([38]) أحمد المتوكل، آفاق جديدة في نظرية النحو الوظيفي،دار الهلال العربية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط1، 1993، ص 23
([39]) المرجع نفسه، ص 24-25
([40]) ابن يعيش، شرح المفصل، ج 7، ص 58
([41]) المبرد، المقتضب، ج 2، ص 44
([42]) سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قَنبر، الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 3، 1988، مج 1، ص 142
([43]) الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، صيدا –بيروت، د.ط، 1425هـ-2005م، ج 2، ص 203
([44]) السكاكي، مفتاح العلوم، ص 308
([45]) ابن هشام، مغني اللبيب، ص 23-25
([46]) ابن جني، أبو الفتح عثمان، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الهدى، بيروت، ج2، د.ت، ص 464
([47]) المبرد، المقتضب، ج 3، ص 228
([48]) سيبويه الكتاب، مج1، ص 343
([49]) ابن جني، الخصائص، ج 3، ص 269
([50]) ينظر: ابن يعيش، شرح المفصل، ج 8، ص 48-49
([51]) ابن هشام، مغني اللبيب، ج 1، ص 315
([52]) مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص 266-267
([53]) الجابري محمد عابد، بنية العقل العربي، دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، نقد العقل العربي 2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 8، 2007، ص 84
([54]) الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز، شرحه وعلق عليه ووضع فهارسه محمد التونجي، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، ط 1، 1425 هـ -2005م، ص 11-12
([55]) المرجع نفسه، ص 50
([56]) المرجع نفسه، ص 51
([57]) المرجع نفسه، ص 69-70
([58]) المرجع نفسه، ص 52
([59]) المرجع نفسه، ص 53
([60]) المرجع نفسه، ص 178
([61]) المرجع نفسه، ص 178-179
([62]) المرجع نفسه، ص 179
([63]) المرجع نفسه، ص 336
([64]) السكاكي: مفتاح العلوم، ص 161
([65]) نعيمة الزهري، الأمر والنهي في اللغة العربية، ص 55
([66]) المرجع نفسه، ص 168
([67]) السكاكي: مفتاح العلوم، ص 167
([68]) المرجع نفسه، ص 170
([69]) السكاكي: مفتاح العلوم ، ص 171
([70]) المرجع نفسه، ص 171
([71]) محمود أحمد نحلة، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، ص 108
([72]) السكاكي: مفتاح العلوم ، ص 164
([73]) المرجع نفسه، ص 304
([74]) المرجع نفسه، ص 302
([75]) السكاكي: مفتاح العلوم ، ص 302
([76]) المرجع نفسه، ص 303
([77]) المرجع نفسه ، ص 304
([78]) Searle, John, “A Cassification of Illocutionary Acts”, Language in Society, Vol: 5, April 1976, pp 1-5
([79]) السكاكي: مفتاح العلوم، ص 304
([80]) المرجع نفسه، ص 304
([81]) نعيمة الزهري، الأمر والنهي في اللغة العربية، ص 57
([82]) السكاكي، مفتاح العلوم، ص 305-306
([83]) أحمد المتوكل، آفاق جديدة في نظرية النحو الوظيفي، ص 28
([84]) Grice. Paul, “Logic and Conversation”, in Cole and Morgan (eds.), Syntax And Semantics: 3, Speech Acts, Academic Press, 1975, p 41-50
([85]) ينظر: السكاكي، مفتاح العلوم، ص305- 306/ 314- 315
([86]) Searle. John, “Indirect Speech Acts”, in Cole and Morgan (eds.), Syntax and Semantics: 3 Speech Acts, Academic Press, 1975, p 60-64.
([87]) ابن خلدون، مقدمة...، ص 435
([88]) محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، ص 55
([89]) الآمدي سيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، ضبطه وكتب حواشيه إبراهيم العجوز، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، د.ط، د.ت، مج 1، ج 1، ص 9
([90]) المرجع نفسه، ج 1، ص 16
([91]) الجويني (إمام الحرمين)، البرهان في أصول الفقه، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1997، ج 1، ص 101
([92]) محمد حسن عبد العزيز، كيف تنجز الأشياء بالكلمات (2)، ص 35
([93]) الغزالي أبو حامد، المستصفى من علم الأصول، تحقيق محمد مصطفى أبو العلاء، القاهرة، 1971، ج 1 ص 156
([94]) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، مج 1، ج 2، ص 253
([95]) سورة البقرة: 233
([96]) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، مج 1، ج 2، ص 253
([97]) المرجع نفسه، ص 253- 255 -257
([98]) مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب، ص 171
([99]) المرجع نفسه ، ص 169
([100]) المرجع نفسه، ص 172
([101]) ينظر: المرجع نفسه ، ص 171-183
([102]) ينظر: المرجع نفسه، ص 206-212
([103]) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، مج 1، ج 2، ص 365
([104]) المرجع نفسه، ص 368
([105]) المرجع نفسه، ص 368
([106]) لشاطبي أبو إسحاق، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط2، 1395 هـ -1975م، ج3، ص 119
([107]) المرجع نفسه، ص 125
([108]) المرجع نفسه، ج2، ص 95
([109]) المرجع نفسه، ص 95
([110]) سورة الدخان: 49
([111]) الشاطبي، الموافقات، ج2، ص 99
([112]) الشاطبي، الموافقات، ج3، ص 153
([113]) المرجع نفسه، ص 153
([114]) Austin, How to Do Things with Words, p 6-7
([115]) Searle, A. “Classification of illocutionary Acts”, Language in Society, Vol: 5, April 1976, p. 10-14

Additional information

BIBLID : [1133-8571] 25 (2018) 9-35



Buscar:
Ir a la Página
IR
Non-profit publishing model to preserve the academic and open nature of scientific communication
Scientific article viewer generated from XML JATS4R